سياسياً، كيف يترجم ذلك في الساحة اللبنانية؟
لأن الصندوق لا يمكن إلا أن يكون تحت تأثير الخزانة الأميركية ودورها في مراقبة الوضع اللبناني وحزب الله في شكل أساسي، فإن انتظار رد الصندوق يتعلق بمستوى ما سيحدده من شروطه وفرض خطته بالكامل، أو تخفيف شروطه الكبيرة عن قصد، لمجرد أن يكون له موطئ قدم فاعل في لبنان، يسهل عليه وعلى الأميركيين مراقبة فاعلة أكثر للنظام المالي والاقتصادي اللبناني وحركة الأموال، ولا سيما منها ما يتعلق بحزب الله وشخصيات مقربة منه. وهذا من شأنه أن يضيف عاملاً آخر ليتحسّس حزب الله من الصندوق، وخصوصاً أنه يأتي في مرحلة قدم فيها الحزب من خلال أزمة كورونا في صورة غير مباشرة أداءً جيداً عبر وزير الصحة حمد حسن، ونموذجاً هادئاً وإيجابياً في التعامل مع القوى السياسية، ما كان يفترض أن يؤدي الى تظهير دعم داخلي له. في مقابل تلقّيه ضربة من ألمانيا، وهي التي كانت معروفة بصلاتها كوسيط «أمني وسياسي» معه، وتشكّل كذلك عنصر تمويل أساسي في صناديق الدعم الدولية. فحضور الصندوق الى لبنان يختلف عن حضوره في اليونان مثلاً، حيث كانت ألمانيا راعيتها كما الاتحاد الأوروبي في شكل عام. لأن ما يُحضَّر للبنان، دولياً وأميركياً، بات مشروطاً مروره عبر آليات يمكن التحكم بها. من هنا، استعادة ما حصل في عام 2000، بحسب أحد السياسيين لأن تلك المرحلة لم تكن، «على الورق»، أقل خطورة مالياً واقتصادياً مما هي الحال اليوم، لكن جرت التغطية على مساعدة لبنان وحكومة الرئيس رفيق الحريري عبر مؤتمر باريس الأول والثاني وفي السنوات الأخيرة عبر سيدر، من دون اشتراط المرور عبر الصندوق الدولي. لكن الدول نفسها ترى لبنان اليوم من منظار مختلف، وموقف فرنسا الأخير أكبر دليل على ذلك.
لا يمكن صندوق النقد إلا أن يكون تحت تأثير الخزانة الأميركية
جاءت موافقة الحزب على طلب الصندوق موافقة مشروطة، في انتظار حقيقة ما يقدمه رعاة الصندوق ومحركوه كي يكون على بيّنة مما يُحضَّر، وقد يكون في مكان ما مراهناً على رفض الأخير «المساعدة». لكن من يفترض به أن يصبح حذراً أكثر هو الحكومة التي قدمت طلب الدعم. أمثلة سقوط الحكومات التي استعانت بصناديق النقد، لتحل محلها حكومات جديدة، لا تزال حية، ومعها أمثلة عن الانفجار السياسي وحتى الأمني حيث تشتد رغبات التطرف وتصبح أكثر فاعلية لحشد التأييد لها. وفي لبنان حيث التشابكات كثيرة، ورغم أن الكلام عن آفاق الحكومة الحالية كثيرة لأن لا بديل منها، إلا أن ما يصحّ على الوضع قبل الصندوق هو غير ما بعده. فإما أن تسقط نتيجة ممارسات الصندوق نفسه وذهاب الأمور الى التفلت أكثر ورفض الشارع له، مع ما يعنيه ذلك من تضييق وتشريعات وخصخصة قائمة على شبكات مصالح سياسية ومالية، أو تسقط نتيجة الانهيار المالي السريع، ليس نتيجة عدم الاستعانة بالصندوق، إنما نتيجة الفشل في إدارة الأزمة المالية، وما يتعلق منها تحديداً بأزمة المصارف ومصرف لبنان. ورغم مسارعة القوى السياسية الى احتوائها، ومنهم حزب الله الذي غض النظر (في العلن) عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في مقابل تصعيد ضد المصارف كان يفترض أن تجاريه فيه كافة القوى السياسية، فإن الضغط المالي وانفتاح سعر الصرف على مرحلة لا يمكن التكهن بها لن يعفي الحكومة من مواجهة الأخطر المقبل عليها شعبياً وسياسياً، لكنها ستكون أمام استحقاق بقائها على قيد الحياة أولاً وأخيراً.