الصعق بالكهرباء والتهديد بالصعق سُجّل بحقّ 6، بينهم قاصر، اعتقلوا لدى فرع مخابرات الجيش في صيدا الأربعاء الماضي، وأُفرج عنهم السبت بعد ضغوط مارستها لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين، فيما لا يزال معتقل واحد محتجزاً. وبحسب مصادر اللجنة، فإن بعض المعتقلين الستة تعرّض للصعق بالكهرباء وهُدّد بعضهم الآخر بالصعق، وهي أول حالة يوثّق فيها تعرّض المعتقلين من متظاهري الانتفاضة لهذا النوع من التعذيب. ولم يُسمح للمحتجزين بمقابلة محام، أو التواصل مع ذويهم، وتعرّضوا للضرب خلال التحقيق وفي «الريو» أثناء نقلهم، كما تعرّضوا للإهانات وعُصبت عيونهم وكبّلت أيديهم... وبعد الإفراج عنهم، تطلّبت حال عدد منهم دخول المستشفى، وأشارت التقارير الطبيّة الأولية في مستشفى صيدا الحكومي إلى «رضوض وتورّم في القدمين وأوجاع في مختلف أنحاء الجسم وضرورة الخضوع للعلاج والمراقبة».محامية اللجنة غيدة فرنجية قالت لـ«الأخبار» إن «التحقيق مع المدنيين ليس من صلاحيّات مخابرات الجيش. ورغم التحفّظ على الطلب من هذا الجهاز التحقيق في المواجهات مع الجيش أو حرق المصارف، فإن عليه أن يتقيّد خلال التحقيق بضمانات الضابطة العدليّة وتطبيق المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة»، علماً بأن هذا الجهاز المختص بالأمن العسكري ليس ضابطة عدليّة ولا صلاحيّة له في التحقيق مع المدنيين في الإشكالات مع العناصر الأمنيين، بل إن ذلك من مهام الشرطة العسكرية.
مخالفة المادة 47 تتمّ عبر حرمان المعتقلين من التواصل مع ذويهم لمعرفة مكان احتجازهم، ومنعهم من مقابلة محامٍ، وعدم تلاوة حقوقهم عليهم، بما فيها طلب طبيب شرعي للكشف عليهم في حال تعرّضهم للضرب. الكشف عن مكان الاحتجاز جرى بعد تحرّك لجنة المحامين، ولم يُسمح لمحامية اللجنة لمى الأمين بمقابلة الموقوفين، إلاّ بعد تحرّك اللجنة ونقابة المحامين لدى النائب العام العسكري القاضي بيتر جرمانوس الذي أصدر إشارة قضائية بالسماح بمقابلتهم. غير أن تنفيذ الإشارة، الذي يُفترض أن يكون تلقائياً، تأخّر لنحو ساعتين ونصف ساعة، قبل أن يُسمح للمحامية بمقابلة الموقوفين بعد تحويلهم من فرع مخابرات الجيش في ثكنة زغيب في صيدا الى فرع الشرطة العسكرية في الثكنة نفسها. وقد أعلن عدد منهم «تعرضهم للتعذيب والضرب لدى فرع المخابرات بشتى الوسائل، ولا سيما من خلال الصعق بالكهرباء، ما اضطر عدد من المفرج عنهم إلى دخول المستشفى لتلقّي العلاج فور الإفراج عنهم» وفق بيان اللجنة.
جهاز المخابرات ليس ضابطة عدليّة ولا صلاحيّة له في التحقيق مع مدنيين


إلى ذلك، أعلنت لجنة المحامين أمس، أنها «لا تزال تتابع توقيف 33 شخصاً على الأقل من المشاركين في الاحتجاجات الأسبوع الماضي في مختلف المناطق، ولا سيما طرابلس وصيدا وزحلة والمتن». عدم ثبات الرقم تعزوه فرنجيّة إلى «عدم تصريح الأجهزة عن المعتقلين لديها، وهو ما يشكّل إخفاءً قسرياً»، لافتة إلى أن اللجنة «تقدمت بإخبار إلى النيابة العامة التمييزية للكشف عن مصير معتقلي الأسبوع الماضي في طرابلس وصيدا وزحلة، وعلمنا أن بعضهم نقل إلى وزارة الدفاع، وتمكنّا من مقابلة 15 منهم، ظهرت على بعضهم آثار العنف وطالبنا بكشف طبيب شرعي عليهم، لكننا نواجه بحجّة الترتيبات الإداريّة للعودة إلى العمل اليوم، وهو ما سنستمرّ في متابعته».
ممارسات الأجهزة الأمنية تخالف كذلك قانوني تجريم التعذيب (الرقم 65/2017) والإخفاء القسري (الرقم 105/2018) والمواثيق الدولية التي وقّع عليها لبنان. وسبق للجنة أن تابعت 15 شكوى بجرم التعذيب والإخفاء القسري وانتهاك الحقوق المدنيّة انتهت بقرار قضائي بحفظها، ما يشير إلى «عدم نيّة النيابات العامة، وخصوصاً العسكرية، محاسبة المرتكبين من العناصر الأمنيّين، فيما لم تظهر نتائج أي تحقيق داخلي أجرته هذه الأجهزة»، بحسب فرنجية.
«الأخبار» حاولت التواصل مع وزيرة الدفاع زينة عكر بشأن هذه المخالفات، لكنّها لم تُجب. القاضي جرمانوس ردّ بأنه «لا يتحدّث إلى الإعلام» بشأن تأخّر الجهاز في تنفيذ إشارته. رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابيّة النائب ميشال موسى ردّ على سؤال «الأخبار» حيال دور اللجنة في مراقبة تنفيذ قانوني تجريم التعذيب والإخفاء القسري ومساءلة الوزارات المسؤولة عن الأجهزة المعنيّة، بالقول إن «تشكيل لجنة للتحقيق يحتاج إلى موافقة البرلمان، أما دور لجنتنا فينحصر في عقد لجنة لمساءلة الوزراء المعنيين، لكن لا صلاحية لنا في التحقيق بصحة الأخبار الواردة عن التعذيب ولا صلاحية لاحقة للتدقيق في أجوبة الوزارات... ولا تنفيذية لفرض عقوبات».
ولأن تفعيل الآلية الوقائية من التعذيب لم يتم من قبل الحكومات المتعاقبة، فإن تشكيل الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب لم يسمح لها إلى حينه بممارسة مهامها، ومنها زيارة أماكن الاحتجاز. وقد أكد مفوض العلاقات الدولية والاعلام في الهيئة بسام القنطار، في اتصال مع «الأخبار»، أن «لبنان يخالف البروتوكول الاختياري للوقاية من التعذيب، وتحديداً المادة 17 التي تُلزم بإنشاء آلية وقائية وطنية»، مشيراً إلى «أن ذلك سينتج عنه حرمان لبنان من أي منح تتعلّق بالقوى الأمنيّة، خصوصاً من قبل الاتحاد الأوروبي، على اعتبار أن التعذيب تحوّل إلى ممارسة ممنهجة لدى أجهزة الدولة».