عاد المنتفضون الى الشارع، أمس، ولو داخل سياراتهم. «الاعتصام السيّار» الذي انطلق من وسط بيروت والمناطق المحيطة باتجاه قصر الأونيسكو، حيث عقد مجلس النواب جلسة تشريعية، مستمر اليوم وغداً بالتزامن مع انعقاد الجلسات. فالمجلس الذي يفترض أن يكون صوت الشعب، «منفصل تماماً عن ناخبيه». ونزول المنتفضين بمسيرة رمزية هو للفت نظره الى أن هناك من يراقبه ولا تثنيه الأزمة عن رفع الصوت. هي رسالة أيضاً بأن الانتفاضة لم تنته كما يرجو السياسيون وأصحاب المصارف وحاكم مصرف لبنان، بل لا يزال أفرادها ينسّقون في ما بينهم، ويعدّون لمرحلة ما بعد كورونا. فقد استغلت المجموعات فترة التعبئة لتُراجع أداءها منذ 17 تشرين، وتعيد تنظيم صفوفها، وتخرج بما يشبه «المعارضة» الموحّدة حول الخطوط العريضة اقتصادياً وسياسياً. وستكون هذه المعارضة «أشرس هذه المرة في دفاعها عن استقلاليتها»، ولمنع أي حزب من محاولة التلطّي خلفها، وأشدّ حرصاً على تشكيل جبهة سياسية طويلة الأمد تواجه السلطة، ربما وصولاً إلى خوض الانتخابات ضدها.«بيروت مدينتي»، إحدى المجموعات التي كانت من منظّمي تحرك أمس. يشير أحد أعضائها طارق عمار الى أن «المجموعات تعمل على تنظيم نفسها إن كان داخل كل منها، أو في ما بينها. كما تناقش أطراً تعنى بالعمل السياسي البعيد المدى». والهدف بناء جبهة أو تكتل سياسي متماسك يجتمع حول برنامج سياسي، «وهو أمر ضروري لمواجهة السلطة على الأرض وفي الانتخابات». أما النزول الى الشارع بعد عودة الحياة الى طبيعتها، فلم يُحسَم شكله بعد، إلا أن العناوين الرئيسية لم تتغير وهي: «رفض النظام الطائفي، لا ثقة بالحكومة بعدما اختبرنا أداءها، الضغط على مجلس النواب لإجباره على إصدار قوانين تتعلق بالأوضاع المعيشية وبقانون للانتخاب خارج القيد الطائفي».
قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي لم يشارك في مسيرة، أمس، لكن «إعادة فتح المعركة حتمية وأساسها النزول الى الشارع». عناوين المعركة معروفة بالنسبة إلى محمد بزيع، عضو قيادة القطاع. أولها المصارف ومصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة تحديداً، إذ «من الوقاحة إبقاؤه في منصبه بعد اعتراف الحكومة بحجم الخسائر المالية التي رتّبها سوء أدائه. والمعركة مع المصارف لم تعد مرتبطة بمن يملكون ودائع، بل تعني كل مواطن لارتباطها بلقمة عيشه». العنوان الثاني هو التهاوي الطبقي ونسبة الفقر التي تطاول 50% من اللبنانيين من دون وجود أي خطة جدية. العنوان الثالث يستهدف مسوّدة خطة الحكومة التي تحتوي على بعض الإيجابيات، لكنها لا تزال حبراً على ورق. ومن ناحية أخرى، تفرض إجراءات قاسية على المواطنين والقطاع العام. العنوان الرابع يتعلق بصندوق النقد وإعادة هيكلة الدين العام وبرفضنا وضع موارد الدولة في خدمة الدائنين».
إعادة فتح المعركة مع مصرف لبنان والمصارف حتميّة بالنسبة إلى قطاع الطلاب الشيوعي


أما خطط «اتحاد مجموعات الثورة» الذي يضم أكثر من 50 مجموعة لما بعد كورونا، فمصوّب نحو 3 وجهات رئيسية بحسب الناشط في مجموعة «عن حقك دافع» أنطوني دويهي: أولاها، اعتصام دائم أمام جمعية المصارف لاستعادة الأموال التي نهبتها المصارف. وثانيتها ديوان المحاسبة، وهو أهم مؤسسة في الدولة لمكافحة الفساد، لكنه لا يقوم بعمله وسنطالب باستقالة رئيسه وأعضائه وتعيين لجنة قضائية لمراجعة كل الملفات. الوجهة الثالثة مجلس الإنماء والإعمار للقول لرئيسه نبيل الجسر «بيكفي فساد». إذ لم يعد هذا المجلس دائرة رسمية، «بل دائرة عائلية تخصّ تيار المستقبل ومخصّص للتنفيعات».
من جهة أخرى، ستنشر صفحة «من حقك تعرف» التي تمثل «اتحاد مجموعات الثورة» بياناً وفيديو غداً يرفض رسمياً الاعتراف بالأحزاب كالقوات اللبنانية والحزب الاشتراكي وتيار المستقبل كقوى معارضة للسلطة.
تصرّ غالبية المجموعات اليوم على ضرورة فصل نفسها عن التحركات «المشبوهة التي تقوم بها بعض أحزاب السلطة التي تسعى إلى إسقاط الحكومة لتجلس مكانها، علماً بأن هذه الأحزاب هي سبب رئيسي لانطلاق الانتفاضة». في المقابل، يجري العمل بين بعض المجموعات على مواجهة هذه السلطة بتحالف قوي ودائم. أحد أعضاء تحالف «وطني»، مارك جعارة، يقول لـ«الأخبار» إن التحركات ستستأنف بالطبع بعد انتهاء التعبئة العامة. ويضيف: «منذ بداية الثورة، كنا ننسق معاً، وانتقلنا بعدها الى مستوى أعلى لنناقش المواضيع الاقتصادية والتي تعنى بالانتخابات. إلا أن التنسيق لم يكن موجوداً في الإطار السياسي. اليوم، مع عدم وضوح خطة الحكومة، يسعى عدد من المجموعات الى تشكيل نواة تحالف يملك موقفاً واضحاً وواحداً في ما خص التطورات الاقتصادية والصحية والاجتماعية».