750 مليون ليرة لبنانية، هو المبلغ الذي قدّمه مجلس بلدية بيروت لمستشفى رفيق الحريري الحكومي، مساهمة منه في دعم مكافحة فيروس كورونا. يبدو المبلغ زهيداً أمام ما دأب المجلس على تقديمه الى الجمعيات لتنظيم الأنشطة في الأعياد الدينية، أو لإقامة مهرجان في ميدان سباق الخيل، على سبيل المثال. والأنكى أن المبلغ المخصص للمستشفى لن يُصرف، بعدما رفض وزير الداخلية محمد فهمي المصادقة على القرار وأحاله على ديوان المحاسبة لأنه ورد اليه ضمن الموازنة المقرّة ومن دون قطع حساب للسنوات الماضية، ولا إفادة توفر اعتمادات من الإدارة. هذه المشكلة لن تقتصر على المساهمة المالية للمستشفى فحسب، بل ستشمل أيضاً السلف المالية التي أقرّها المجلس يوم أول من أمس في إطار توزيع حصص غذائية على عائلات بيروتية.السلف المالية التي أقرها المجلس البلدي تحت عنوان تقديم حصص غذائية لأبناء بيروت في ظل أزمة كورونا، بلغ عددها 12 سلفة، وبقيمة 20 مليون ليرة لكل حيّ من أحياء العاصمة. في الجلسة التي لم تدم سوى 5 دقائق، أقرّ الحاضرون بنداً آخر يتضمن الطلب من الادارة إعداد دفتر شروط لإعداد وتوزيع عشرين ألف حصة غذائية لـ«المحتاجين»، علماً بأن المحافظ زياد شبيب كان قد أرسل دفتر الشروط خلال انعقاد الجلسة الى رئيس البلدية جمال عيتاني بناءً على طلب وزير الداخلية. الا أن المجلس لم يناقشه. فقبل نحو أسبوعين، أعدّ المجلس البلدي ما يشبه استدراج العروض من دون دفتر شروط، لشراء حصص غذائية، انتهت بانسحاب الشركة الفائزة بسبب تعرّضها لضغوط. رغم ذلك، حاول المجلس الالتفاف على الموضوع عبر تجزئة النفقات وإقرار سلف مالية مستفيداً من الظروف الاستثنائية. وقالت مصادر في البلدية لـ«الأخبار» إن المحافظ «لن يصادق على السلف، لأنها تخالف قانون المحاسبة العمومية عبر تجزئة النفقات، ولا تراعي التوزيع الجغرافي، إذ لا يجوز مثلاً مساواة ميناء الحصن بطريق الجديدة أو الأشرفية وتخصيص المبلغ ذاته لكل الأحياء عشوائياً، وعلى وجه السرعة، ومن دون آلية واضحة ومن تحديد تحديد المستفيد».
رئيس المجلس البلدي جمال عيتاني قال لـ»الأخبار» إن «قرار السلف اتخذ قبل تسلمه دفتر الشروط الذي سينعقد المجلس اليوم لدراسته». وأضاف أن «قرار السلف وقرار المناقصة لا يلغي أحدهما الآخر، لأن المناقصة تحتاج إلى شهر على الأقل، فيما السلف تنفذ مباشرة، على أن دور المجلس في كل ذلك هو الرقابة، فيما عملية الشراء تتم عبر المحافظ والموظف الذي يسميه. وستشرف لجنة الشؤون الاجتماعية في البلدية وأحد المندوبين من وزارة الداخلية على التنفيذ». هل ستتوزع الحصص كما كان مقرراً سابقاً على الناخبين دون الآخرين من سكان العاصمة؟ يتردّد الريّس في الإجابة، مؤكداً أن الآلية ستحدّد نهار الجمعة (اليوم)، على أن تشمل المحتاجين، موحياً في كلامه بأنها ستوزع على المسجلين في بيروت لا سكانها بشكل عام. وهو ما تؤكده غالبية أعضاء المجلس.
رفض وزير الداخلية المصادقة على قرار المساعدة المالية لأن المجلس لم يتقدم بقطع الحساب


أما محافظ بيروت، فيلفت الى أن المساعدات الغذائية ستوزع على سكان المدينة بحيث سيتوزع عناصر الحرس البلدي وفوج الإطفاء في الأحياء، ويتلقّون الطلبات التي يدرسها فريق معيّن ويزور المنزل المحتاج للتأكد من وضعه.
الى جانب المساعدات الغذائية، أقرّ المجلس البلدي، الأسبوع الماضي، سلفاً مالية لتعقيم الأحياء ودوائر البلدية وتوفير المواد اللازمة. وفي موازاة ذلك، شكّل المحافظ لجنة خاصة بألف الكورونا بدأت في مرحلتها الأولى بتعقيم الأماكن العامة والحدائق ودور العبادة. وتستكمل مرحلتها الثانية برشّ الشوارع والأرصفة ومداخل الأبنية، فيما يجول المراقبون الصحيون على المطاعم التي تقدم خدمات توصيل والمتاجر الغذائية. وقد تم تأمين مختلف مواد التعقيم والبدلات العازلة مع الكمامات في حال احتاج فوج الإطفاء أو المراقبون الى معالجة حالات مصابة بالفيروس. من جهة أخرى، وخلال جلسة اللجنة المركزية لمكافحة الكورونا في السراي الحكومي، ناقش المجتمعون بحضور محافظ بيروت إمكانية توفير البلدية مراكز أو مستشفيات ضمن المدينة لاستقبال المصابين. وبعد كشف فريق على مستشفيي البربير والشرق الأوسط تبين أن وضعهما الإنشائي لا يسمح بتأهيلهما بالسرعة المطلوبة. وأعدت لائحة بالمباني والفنادق المتاحة للاستعمال عند الضرورة، استباقاً لتخطّي مستشفى رفيق الحريري الحكومي قدرته الاستيعابية. كذلك وضع المستشفى اللبناني الكندي المغلق حديثاً في سن الفيل ضمن الخيارات المتاحة، بحيث لم يعارض محافظ بيروت تقديم مساعدة مالية للصندوق الحكومي حتى يتمكن من استئجار هذا المستشفى.



الوباء لا يعيد الأعضاء «الحردانين»
فيما استنفر الوضع الصحي الداهم كل البلديات للعمل وابتكار حلول وإجراءات لحماية سكانها، يغيب أكثر من 10 من أعضاء مجلس بلدية بيروت عن الاجتماعات الاستثنائية المخصصة لمناقشة أزمة كورونا. هؤلاء منتخبون، وكان يفترض بهم تمثيل الأصوات التي انتخبتهم وأولتهم ثقتها وأقلّه المشاركة في طرح الأفكار لمساعدة البيارتة قدر الإمكان. لكن لكل «عذره»، فالبعض لا يأخذ منصبه على محمل الجدّ ويتغيب باستمرار منذ ثلاث سنوات كالعضوين فادي شحرور وعماد بيضون. والبعض الآخر كماتيلدا خوري اختارت مقاطعة الجلسات منذ 17 تشرين الأول الماضي، فيما يتغيب كل من نائب رئيس المجلس ايلي أندريا وراغب حداد وغابي فرنيني منذ نحو شهر احتجاجاً على عدم سحب رئيس البلدية جمال عيتاني مشاريع بعترضون عليها، كالمحرقة وتطوير الكورنيش البحري. فبحسب راغب حداد، «قدمنا أنا وزملائي كتباً لإلغاء المشاريع المشكوك في شفافيتها ووعدنا الريّس بإلغائها من دون أن يصدق. وها هو اليوم يعقد جلسة لإقرار سلف بطريقة مخالفة للقانون، رغم وجود دفتر شروط». لماذا إذاً لم تحضر الاجتماع وتعترض على طريقة اتخاذ هذا القرار وتقدم بديلاً؟ «منذ ثلاث سنوات، نعارض ويؤخذ القرار بالرغم من ذلك لأن شعار عيتاني هو أتخذ قراري وأمشي. أنا اليوم أساعد المحافظ في لجنة الكورونا وموجود على الأرض باستمرار لضمان تنفيذ الإجراءات السليمة». فرنيني يتحدث عن الصعوبات نفسها التي يواجها مع «نهج» عيتاني الذي يعقد جلسة لمدة 5 دقائق بمحضر مكتوب مسبقاً حيث يجول على الأعضاء لكسب تواقيعهم فقط. معارضتنا ليست كما يحاول البعض تصويرها على أنها تقتصر على الجلسة هذه أو التي سبقتها. المؤسف أن عيتاني لا يفعل أي شيء لتصويب المسار». من جهته، يأسف رئيس المجلس البلدي لتغيّب بعض الأعضاء، متمنّياً عليهم أن يعودوا «ويعترضوا من الداخل وهو مستعد لمناقشتهم بجميع الملفات وخصوصاً في هذه الأوضاع الحساسة». «الأخبار» حاولت الاتصال بكل من إيلي أندريا وفادي شحرور وماتيلدا خوري لسؤالهم عن الأسباب التي تحول دون حضورهم الجلسات، لكن أحداً منهم لم يجب. فيما أعلن خليل شقير سبب عدم حضوره عبر صفحته على فايسبوك، مشيراً الى أنه «غم أهمية الموضوع المطروح، لديّ عدة ملاحظات حول المبلغ الزهيد والخجول جداً وطريقة توزيع السلف مناطقياً من دون مراعاة الكثافة السكانية، وهذا معيب وغير عادل».