بحسب عاملين في السرايا الكبيرة، فإن ما شهده مقر رئاسة مجلس الوزراء في الأيام التي سبقت إعلان الرئيس حسان دياب «تعليق سداد استحقاق 9 آذار من اليوروبوندز» لم يشهده يوماًَ. استنفار كامل حلّ على كل دوائر السرايا. في كل غرفة كانت اجتماعات مفتوحة، يضاف إليها اجتماعات في الممرات. بالنتيجة، انتهت الجولة الأولى، وصار هنالك تاريخ مفصلي هو 7 آذار. لبنان لن يدفع ديونه حتى إشعار آخر، والإشعار الآخر يتعلق بأمرين أساسيين: تغيير وجه لبنان الاقتصادي، والتوصل إلى تسوية مع الدائنين تقضي بإعادة هيكلة ديونهم. قبل ذلك، بقي هؤلاء، وتحديداً صندوقا أشمور وفيدلتي الاستثماريان، بالإضافة إلى جمعية المصارف، يرمون بثقلهم لحثّ الحكومة على دفع الدين، لكن الأمر انتهى. منذ يوم أمس تغيرت الوجهة. بحسب المعلومات، فإن جمعية المصارف بدأت التفاوض مع الدائنين الأجانب للبحث في آلية لهيكلة الدين، قبل بدء الحكومة بذلك. حيث سبق أن أعلن دياب أن الدولة اللبنانية ستسعى إلى «إعادة هيكلة ديونها، بما يتناسب مع المصلحة الوطنية، عبر خوض مفاوضات منصفة، وحسنة النية، مع الدائنين كافة، تلتزم المعايير العالمية المثلى».على المقلب الآخر، كان لافتاً أن دياب لم يتطرق في كلمته يوم السبت إلى صندوق النقد الدولي. وهذا، بحسب مصادر مطلعة، محسوب بدقة. فالحكومة، أقله في المدى المنظور، ليست في وارد الدخول مع صندوق النقد في برنامج جاهز. ولذلك، تركز حالياً على إطلاق خططها المتعلقة بالخروج من الأزمة. بهذا المعنى، هي ترفض، بناءً على كل التجارب الدولية في التعامل مع الصندوق، وبناءً على دراسة هذه التجارب، الرضوخ لبرنامج تقليدي منه. تؤكد المصادر، على سبيل المثال، أن زيادة الضريبة على البنزين ليست من الطروحات المقبولة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى زيادة الضريبة على القيمة المضافة بشكل شامل. الخلاصة أن الحكومة ستسعى إلى قرارات لا تطاول بتأثيرها كل الناس، فلا معارضة على سبيل المثال لزيادة الضريبة على الكماليات. كذلك، يتردد أن كل ما يحكى عن الـ Hair cut للودائع ليس دقيقاً. صحيح أن القرار لم يتخذ بعد، في ظل دراسة عدد من الخيارات والبحث في الشرائح التي يمكن أن يطاولها أي خيار، إلا أن أياً منها لا يتعلق بقص الودائع. لكن مع ذلك، فإن الترجيحات تشير إلى أن الوجهة هي وضع ضريبة على الثروة، بما يؤدي عملياً إلى عدم المس بأصل الودائع، تماماً كما أن فرض الضريبة هو حق سيادي للدولة.
«الإصلاحات» ستطاول القطاع العام والكهرباء، ولن تمسّ أسعار المحروقات


باختصار، فإن الخطة الإصلاحية ستركز على تخفيض النفقات لا على زيادة الواردات. هذا ما أعلنه دياب («تتصدر إعادة التوازن الى المالية العامة سلّم أولوياتنا. فإذا أردنا تحرير أنفسنا من عبء الدين، لا يجوز أن ننفق أكثر مما نجني»). ولأن الموازنة أساساً موزعة بين ثلاثة أبواب ضخمة للإنفاق، أي خدمة الدين العام ودعم الكهرباء والقطاع العام، فإن إعلان التوقف عن الدفع حرّر الموازنة من الباب الأكثر صعوبة، أي خدمة الدين. ولذلك يبقى بابان. رئيس الحكومة استقبل أكثر من مرة شركات وجهات مهتمة بالاستثمار في معامل الكهرباء أو محطات الغاز. ويفترض أن لا تتأخر الحكومة في بتّ هذين الملفين، ولا سيما بدء تنفيذ خطة التغويز التي أعلن دياب أنها ستحقق وفراً يتخطى 350 مليون دولار في العام. يبقى الملف الأكثر حساسية، أي ملف القطاع العام. وتشير المعلومات إلى أن رئيس الحكومة عازم على إيجاد حل له، إذ لم يعد بالإمكان الاستمرار في تحميل القطاع العام تبعات السياسات النفعية التي اعتمدتها مختلف الجهات السياسية على مدى سنوات. يتردد هنا أن من يقبضون ولا يعملون، والذين يتخطّى عددهم العشرين ألفاً، سيكونون في مرمى الإجراءات الحكومية، من دون أن تتحدد طبيعة هذه الإجراءات.
بعد إعلان دياب الموقف المنتظر، صارت تتردد عبارات من قبيل لبنان صار بلداً ثانياً. من يقول ذلك يثق بأن العبور من دولة الفوائد والربح السهل إلى دولة الإنتاج صار «أمراً واقعاً». لكن هكذا كلام هو أقرب إلى التمنيات منه إلى الواقع. ولتحقيقه، ينتظر أن ينتقل العمل المكثف من السرايا الحكومية التي كانت مركز كل الاجتماعات المتعلقة بقضية عدم دفع سندات اليوروبوندز إلى الوزارات المختصة، حيث يفترض أن تعمد كل وزارة إلى تقديم اقتراحاتها التي تتناسب مع الوضع المستجد، تمهيداً لاتخاذ القرار بشأنها ثم البدء بتنفيذها. أما في ما خص القطاع المصرفي، فهو بدوره ستعاد هيكلته، لأنه لم يعد بالإمكان الاستمرار على المنوال ذاته، ولذلك يتوقع أن تركز السياسة الحكومية على اندماج المصارف وإنهاء مرحلة انتفاخ القطاع الذي يتخطى حجمه أربعة أضعاف الناتج المحلي.