عند استفسارهم عن الإرشادات والإجراءات المتّخدة في مطار رفيق الحريري الدولي في إطار «ضبط» الحالات المُشتبه بإصابتها بفيروس «كورونا»، قال مُسافرون إن عناصر من الأمن العام اللبناني سألوهم إن كانوا يشعرون بعوارض معينة كارتفاع الحرارة والسُّعال وسيلان الأنف وغيرها!بمعزل عن النقاش حول «فعالية» السؤال وحجم تأثيره في عملية الرصد المطلوبة في حالات احتواء ظروف مُماثلة، يُطرح تساؤل حول سبب تولّي عُنصر أمني مهمّة «صحية»، في وقت يوجد في المطار مُستوصف صحي ودائرة حجر يضمّان نحو خمسة أطباء وعدداً من الممرضات، علماً بأن أحداً من المُسافرين لم يأت على ذكر الطاقم الطبي الذي يُفترض أن يكون «مُستنفراً» في الأيام «الطبيعية» عموماً وفي ظروفٍ مُماثلة خصوصاً.
قبل ستّ سنوات، خلُص رئيس هيئة «الصحة حق وكرامة» النائب السابق إسماعيل سكرية إلى أنّ «الأمن الصحي مفقود في المطار»، لافتاً إلى غياب التجهيزات الطبية والصحية، من آلات لتخطيط القلب، وصولاً إلى توفر أدوية الطوارئ. وهو أكد لـ«الأخبار»، أن الواقع «الحديث» ليس أفضل مما كان عليه، جازماً بأن الفريق الصحي والطبي في المطار لا يقوم بعمله، فيما يبدو المستوصف ودائرة الحجر الصحي مرافق «شكلية».
في المبدأ، يُفترض أن يضمّ مُستوصف المطار أربعة أطباء، وأن تضمّ دائرة الحجر الصحي طبيباً وعدداً من الممرضين والممرضات. ويتبع المُستوصف، إدارياً، لمُديرية النقل في وزارة الأشغال، «فيما الأطباء العاملون فيه متعاقدون في الأساس مع وزارة الصحة». ويلفت سكرية إلى أنّ هؤلاء «يحصلون على رواتبهم من الوزارتين، فيما معظمهم لديه ارتباطات وأعمال أخرى، وليسوا موجودين في المُستوصف بشكل دائم (...) والأمر نفسه ينطبق على طبيب دائرة الحجر الصحي». وبالمناسبة، فإن هذه الدائرة «غالباً ما تعاني من نقص في اللقاحات المطلوبة لبعض المُسافرين اللبنانيين».
هذا كله يثير نقاشاً حول «جهوزية» المطار و«إجراءات» الحذر التي تتخذها السلطات المعنية في ظروف مماثلة. ورغم «النيات» الحسنة الكامنة خلف الجهود التي تُبديها هذه السلطات وتعبّر عنها ببعض الإرشادات، ثمة وقائع لا مهرب منها، وهي ترتبط أولاً وأخيراً بالترهّل الذي يفتك بـمرافق الدولة. فهل يصح الحديث عن أجهزة لكشف حرارة المُسافرين في وقت يغيب فيه الطاقم الطبي المعني الأول في المطار؟ وماذا عن دائرة الحجر الصحي التي يفترض أن «تقود» الإجراءات في هذا الوقت الراهن؟ ومن يحمي رجل الأمن الذي ختم جواز سفر المُصابة بالفيروس؟ ومن يحمي الأشخاص الذين يتواصلون مع رجل الأمن نفسه؟هل من بين أطباء المطار من هو مختص بالأمراض الجرثومية والأوبئة؟
هذه التساؤلات التي تطاول «البديهيات» مطلوبة عند تقييم أي إجراءات استنفار تقوم بها الدولة في الظرف الراهن.
وإلى غياب الأمان الصحي في المطار، يغيب الحديث عن الاستنفار المطلوب في قطاع النقل الذي يُعدّ «مكمناً» رئيسياً لانتشار الفيروس. ولأن غياب شبكات النقل المُشترك أرسى قطاعاً فوضوياً، فمن «الطبيعي» أن يُترك المُقيمون في لبنان تحت رحمة استنسابية «إجراءات» أصحاب الفانات والآليات المخصصة للنقل المُشترك. فما الذي تقوم به وزارة الصحة وخلية الأزمة الوزارية على هذا الصعيد؟
قبل أيام، قالت إحدى المُشتبه بإصابتها للمنتدب من وزارة الصحة الذي طلب منها زيارة المُستشفى الحكومي لإجراء بعض الفحوصات، إنها لن تتكبّد عناء النزول إلى بيروت إلّا إذا تم تأمين نقلها، لأنها «تعبت من الفانات»! إذ إنها طوال الأيام الماضية، وأثناء الاشتباه بإصابتها، كانت تستخدم الفانات للتنقل!
وأمس، طرحت لجنة الصحة النيابية صعوبة نقل الصليب الأحمر للمرضى والمشتبه بإصابتهم من المناطق إلى مُستشفى رفيق الحريري الحكومي. وقال رئيسها عاصم عراجي إن «هناك مُشكلة في المناطق»، لافتاً إلى أنه طُلب من منظمة الصحة العالمية مُساعدة وزارة الصحة لإنشاء غرف عزل في المناطق.
مُشتبه بإصابتها انتقلت بـ«الفان» إلى المستشفى الحكومي للخضوع لفحوصات مخبرية


أضف إلى ذلك، عدم إمكان منتدبي وزارة الصحة والبلديات من فرض تطبيق الحجر المنزلي على معظم القادمين من مناطق مصابة في الأيام الأخيرة، ما يجعل من هؤلاء وذويهم ومن يحتكّون بهم «قنابل موقوتة».
مرة أخرى هو الترهل الذي يفتك بالدولة. فهذا الواقع ليس إلا نتاجاً لغياب سياسات صحية متكاملة، ولفوضى حكمت واقع الاستشفاء والصحة في مختلف المناطق. وفيما تُروّج وزارة الصحة لإمكانية اعتماد مُستشفيي النبطية وصيدا الحكوميين كمستشفيات «طوارئ» لمواجهة تداعيات الأزمة المُرتقبة، تُشير المعطيات إلى صعوبات «جوهرية» يعاني المُستشفيان منها، تتعلّق بالنقص في المُستلزمات الطبية والأدوية وبعض التجهيزات.
يؤكد سكرية أنّ الإجراءات التي تتخذها الوزارة والمعنيون «سليمة». لكنها ستصطدم حُكماً بالإهمال المتراكم الذي فتك بالدولة. أمام هذه الوقائع، يغدو التشكيك في إمكانية «السيطرة» على الأزمة المرتقبة، وفي فعالية الإجراءات المتخذة، أمراً مشروعاً... لا بل مُبرّراً، بالقدر الذي يبدو فيه مرعب



8 حالات حجر صحي في «الحريري»
سبع حالات جديدة دخلت خلال الـ 24 ساعة الماضية الحجر الصحي في مُستشفى رفيق الحريري الجامعي، بحسب العدد الثاني من النشرة اليومية الصادرة عن إدارة المُستشفى. ووفق النشرة، استقبل المُستشفى 32 حالة في قسم الطوارئ المُخصّص لاستقبال الحالات المُشتبه في إصابتها بفيروس كورونا، «وقد خضعوا جميعهم للكشوفات الطبية اللازمة، واحتاج 7 منها إلى دخول الحجر الصحي استناداً إلى تقويم الطبيب المراقب، فيما يلتزم الباقون الحجر المنزلي».
وأوضح المُستشفى أن ثلاث حالات كانت في الحجر الصحي خرجت، أمس، «بعد توصيتها بالإقامة تحت منطقة الحجر الصحي المنزلي لمدة 14 يوماً. وتم تزويدها بكل الإرشادات وسبل الوقاية اللازمة وفقاً لتوجيهات منظمة الصحة العالمية، بعدما أجري لها فحص الفيروس مرّتين في مختبرات المستشفى، وجاءت النتيجة سلبية في المرّتين».
وفيما كان المُستشفى قد أعلن أول من أمس عن أربع حالات حجر، ومع خروج ثلاث حالات ودخول سبع حالات جديدة، يكون المجموع النهائي ثماني حالات «خضعت جميعها لفحوصات وكانت سلبية». وأضافت النشرة إن فحوصاً مخبرية أجريت لـ 18 حالة، وجاءت نتيجتها سلبية، «ولا تزال الحالة الوحيدة المصابة بفيروس الكورونا المستجد في وحدة العزل، وهي في حال مستقرة وتتلقى العلاج اللازم».


الحكومة لضبط حركة الطيران
قرّر مجلس الوزراء، أمس، «ضبط حركة الطيران ووقف الرحلات الدينية إلى الدول التي تفشّى فيها فيروس كورونا واقتصار الرحلات منها وإليها حسب الحاجة المُلحّة».
وعقدت لجنة الصحة النيابية، أمس، اجتماعاً مع وزير الصحة حمد حسن خُصّص للإجراءات المُتخّذة لمنع انتشار الفيروس. ولفت رئيس اللجنة عاصم عراجي إلى إمكانية «إيقاف وباء كورونا إن سلكنا طريق الوقاية بشكل فعّال»، مُشيراً إلى أنّ البقاء في المنزل ضروري في حال الاشتباه بالإصابة بالفيروس «لأنّ أهمية الوقاية توازي أهمية إجراءات وزارة الصحة». ولفت إلى أنّ عدد الموظفين في المطار قليل جدّاً «وقد تمنّيت على وزير الصحة بحث الموضوع في مجلس الوزراء لزيادة العدد».


وحدة «كورونا» لأطباء «اللبنانية»
أعلن فريق كلية العلوم الطبية في الجامعة اللبنانية، أمس، استحداث «وحدة الكورونا» في مُستشفى رفيق الحريري الجامعي، وهي تتألّف من مجموعة تطوّعية تضم 14 طبيباً من أطباء الكلية «تعمل بشكل مجاني 24 ساعة، وتبدأ مهماتها من الفحص الأولي وصولاً إلى متابعة المُصاب في غرفة العزل، إضافةً إلى دورها الإرشادي والتوعوي في التعامل مع الفيروس وسبل الوقاية منه».