انتقل الكباش القضائي إلى الشارع. تحرّكٌ مؤيّد لإقرار التشكيلات القضائيّة التي أنجزها مجلس القضاء الأعلى «من دون تدخّل سياسي»، يقابله تحرّك مناوئ يرفض أسماء قضاة سُرِّب تعيينها في مشروع التشكيلات، متحدثاً عن فسادها. وبين هذه وتلك، يُتّهم رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود بنقل الخلاف إلى الشارع والانقلاب على الاتفاق المعقود مع المدعي العام التمييزي غسان عويدات وإطاحة بعض القضاة. نُصِبت خيمة في مقابل قصر العدل في بيروت، مساء أمس، أعقبت تحركاً شعبياً ينادي بوقف التدخل السياسي في عمل القضاء وإقرار التشكيلات القضائية التي أنجزها مجلس القضاء الأعلى. عشرات الشبان قدِموا لـ«السهر على استقلالية القضاء»، متوعدين بالبقاء حتى إقرار التشكيلات. تحرّكٌ آخر يُحضّر له ظهر اليوم، يقوده المحاميان حسن عادل بزي وواصف الحركة وآخرون تحت شعار «لن تحقق مطالبنا إلا إذا طهّرنا القضاء من الفاسدين وضغطنا لإقرار قانون استقلال السلطة القضائية». ووجّه هؤلاء دعوة لرفع الصوت ضد التدخل السياسي في التشكيلات القضائية التي ستصدر قريباً، قائلين: «غداً سنسمّي الأمور بأسمائها، سنسمّي الفاسدين ونفضح المتدخّلين وسنكون سنداً لكل قاضٍ شريف ونزيه». وفي اتصال مع المحامي بزي، قال لـ«الأخبار»: «التقيت منذ أسبوعين رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود مع أربعة محامين آخرين، ودار بحث معه عن مشاكلنا وعن الفساد في القضاء». وأضاف بزي: «لقد وضعنا القاضي عبود في جوّ تحركنا على قاعدة أن القضاء جيد، لكنّ هناك قضاةً فاسدين وأنه قد حان الوقت لتسميتهم»، كاشفاً أنهم أبلغوه اعتراضهم على بعض الأسماء الواردة في التشكيلات القضائية والتي يجب إبعادها. كما نفى بزي أن يكون قد تم الاتفاق بين القاضي عبود والقاضي عويدات على اعتبار أن التشكيلات لم تُنجز نتيجة التدخلات السياسية، مشيراً الى أن عبود لم يقبل باقتراح عويدات أن يتولى تسمية معاونيه في النيابة العامة وقضاة الجزاء. ورأى أن هذا الحراك هو لحماية القضاء والقضاة الذين لا صوت لهم.
غير أن أعضاء من مجلس القضاء الأعلى وضعوا هذا التحرّك في خانة الضغط على القضاء. وأبدى هؤلاء القضاة استغرابهم قائلين: هل نستبدل ضغط السياسيين بضغط من محامين قد يكون لهم مصالح ومآرب عند قاض دون آخر؟ وأضاف أحد القضاة: «ينكبّ مجلس القضاء مجتمعاً على إنجاز التشكيلات التي يُفترض أن تبصر النور خلال أيام. لماذا يمارس الضغظ علينا اليوم؟ ماذا يمنع أن يكون هذا المحامي الذي لديه مصالح مع القضاة، من أن يكون مُغرِضاً في تحركه! ولماذا يصدّق الناس أن من يطالب المحامون بتغييره ليس أنظف كفاً ممن يطالبون بتعيينه؟ وكيف يسمح هؤلاء لأنفسهم بالتدخل بعمل القضاء؟». تساؤلات هذا القاضي، أضاف عليها قاض آخر: «يرفعون شعار منع السياسيين من التدخل، لكنهم يبيحون لأنفسهم ممارسة الضغط عبر الشارع إمعاناً بتهشيم القضاء». كذلك استغرب هؤلاء القضاة أن يقود محامون حملة الضغط على القضاء، فيما يفترض بنقابة المحامين إن استشعرت تقصيراً في إنجاز التشكيلات، أن تبادر إلى التحرك!
من جهته، نفى المحامي بزي الاتهامات التي تُوجّه للتحرّك بالاقتصاص من قاضٍ دون آخر بدافع المصلحة الفردية، معتبراً أن العنوان واضح وهو رفض القضاة الفاسدين.
وسط الأخذ والرد، تعود لعبة الشارع مجدداً. لعبةٌ بات يُتقنها كثيرون. لكن أن تتحوّل هذه اللعبة إلى سلاح بيد قاضٍ ضدّ آخر، فذلك أمرٌ غير مسبوق، ولا سيما أنّ بعض القضاة يهمسون أن رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود شحذ هذا السلاح للضغط على المدعي العام التمييزي غسان عويدات الذي اتّفق معه على اختيار فريقه في النيابات العامة. ويرى هؤلاء أنّ «المحاكمات الشعبية لتهشيم القضاة من دون دليل سلاحٌ ذو حدّين سينقلب على القضاء بأكمله، ووقائع الانقلاب غير المعلن بدأت تخرج إلى العلن عبر تحرّكات متنقّلة لإطاحة ما أُنجز حتى اليوم». فهل تصدق هذه الرواية؟ وهل التحرّكات في الشارع هدفها الإصلاح أم مساندة قاضٍ في مواجهة زملائه في مجلس القضاء؟