كما للمصارف واجهات حطّمها المحتجّون على مدى أيام الانتفاضة، كذلك لأصحاب المصارف «واجهات» يشغّلونها ثم يتبرّأون منها، في حال اتّخاذ التحقيقات منحى جديّاً. المدير العام ورئيس مجلس إدارة بنك «الموارد» مروان خير الدين، أحد أصحاب المصارف، ربما فعل الأمر نفسه، مع مرافقيه الثلاثة الذين اعترفوا بأنّهم نفّذوا الأسبوع الماضي، «بقرار شخصيّ منهم!»، الاعتداء على الزميل محمد زبيب. وكما لخير الدين واجهاته «الهشّة» التي يستغني عنها، فإنّه ارتضى لنفسه أن يكون الواجهة لأصحاب المصارف عندما غابوا جميعاً عن المشهد، ولسياسات «صديقه» حاكم مصرف لبنان رياض سلامة... إذ صار خير الدين، منذ بدء الانتفاضة، ضيفاً دائماً على الشاشات ومتحدّثاً باسم المصارف ومدافعاً عن السياسات النقديّة والمالية، ومطمئناً عندما تدعو الحاجة إلى أنّ «ودائع الناس بخير!».بعد الاعتداء على زبيب، ليل الأربعاء 12 الجاري، في أحد مواقف شارع الحمرا، صُوِّبت أصابع الاتهام إلى المصارف كون الصحافي الاقتصادي المُعتدى عليه شكّل ندّاً لها طوال سنوات، وبشكل خاص خلال الانتفاضة، ونفّذت من ضمن حملة التضامن الواسعة، وقفةٌ احتجاجيّة أمام مصرف لبنان لرمزيّته. لكنّ التكهّنات لم تطاول خير الدين بشخصه، وخصوصاً أن آخر منشورات زبيب عبر حساباته على موقع التواصل التي ذكره فيها شخصياً كانت في بداية شهر كانون الثاني، بعد ادعاء خير الدين على المخرج ربيع الأمين، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عن توقيت توجّه مرافقيه بعد أكثر من شهر للتخطيط للتعرّض لزبيب، على اعتبار «أنه يهاجم الريس دائماً»، وما الذي دفعهم إلى هذا القرار «من تلقاء أنفسهم»، وهل هم فعلاً رصدوا المقالات الطويلة التي يكتبها زبيب عبر حساباته ليتبيّنوا المعلومات الواردة فيها عن قروض بنك «الموارد» وعلاقة خير الدين ببنك «المدينة» وتقاضيه 37 مليون دولار من رنا قليلات... مثلاً؟
المرافقون الثلاثة موقوفون لدى فرع المعلومات، يعملون لدى خير الدين، وأحدهم مسؤول عن حمايته، وهو الذي اعترف بأنه اقترح تنفيذ العمليّة. فرع المعلومات حدّد الموقوفين، وسيارة ودراجة ناريّة استخدموهما في تنفيذ عمليّتهم، بعدما رصدوا زبيب خلال الندوة التي ألقاها في أحد مقاهي الحمرا، ولحقوا به إلى «الباركينغ»، حيث اعتدوا عليه وغادروا.
بعد تحديد فرع المعلومات هويات الفاعلين، جرى إلقاء القبض على أحدهم، فيما توارى الآخران في منزل النائب طلال أرسلان، زوج شقيقة خير الدين، في خلدة! إلى الفاعلين الثلاثة، كان الفرع قد أوقف شخصين آخرين وتركهما على اعتبار أن لا علاقة لهما بما حدث. في الوقت عينه، جرت اتصالات مع الحزب الديموقراطي اللبناني لتسليم المتواريَين، وهو ما حصل، وقد اعترفا مباشرة بعد التحقيق معهما.
طريقة تنفيذ الاعتداء والرصد والتنفيذ، حصلت وفق اعترافات الموقوفين بتحرّك فرديّ منهم وكأنّه وليد ساعته وبلا استشارة أحد، ولا سيما ربّ عملهم. فيما الوقائع تبيّن أن نشر الدعوة إلى ندوة الحمرا ومكانها حصل قبل يومين، أقلّه من الحادثة.
كما أن الاعتداء حصل ليل الأربعاء 12 الجاري، فيما آخر «بوستات» زبيب ضدّ خير الدين كان بداية كانون الثاني الماضي. وقد تضمّن المنشور حينها تفاصيل عن «رهن أسهم بنك الموارد لمصرف لبنان عام 2010، حيث تدخّل مصرف لبنان لإنقاذ البنك عبر منحه تسهيلات بقيمة 300 مليار ليرة... إضافة إلى 100 مليون دولار منحها مصرف لبنان عام 2019 للبنك نفسه». هذه الوقائع التي نشرها زبيب، أفادت عن الحماية المستمرّة التي يؤمّنها حاكم مصرف لبنان لخير الدين، وهي تتخذ أشكالاً عدة، «منها رفض سلامة توصيات إحالة البنك على الهيئة المصرفيّة العليا، بالرغم من ازدياد وضعه خطورة، ومماطلة خير الدين في زيادة رأس مال البنك وتكوين المؤونات المطلوبة (بقيمة 470 مليون دولار لتغطية خسائره) لصون ودائع الزبائن وحقوقهم، وامتناعه عن سداد القروض التي حصل عليها من مصرف لبنان وحصوله على تمديدات متتالية من قبل سلامة».
اثنان من الموقوفين الثلاثة تواريا في منزل النائب طلال أرسلان، زوج شقيقة خير الدين، في خلدة


اللافت في كلّ هذه العمليّة هو أن قرض الـ 300 مليار ليرة الذي منحه مصرف لبنان لبنك الموارد بفائدة صفر بالمئة، استعمله البنك، بحسب زبيب، «لشراء سندات خزينة من فئة 36 شهراً وقبض فائدة بنسبة 8%، أي أن البنك حقّق ربحاً بما لا يقلّ عن 24 مليار ليرة في كل سنة منذ 2010! هذه الأرباح راحت لجيوب أصحابه، أي مروان خير الدين وأخويه (وسيم وسليم)، من دون أن يقوموا بسداد قروض مصرف لبنان، وحاكم الأخير لا يطبّق إلى حينه المادة 120 من قانون النقد والتسليف التي تخوّل مصرف لبنان تنفيذ الرهن المعطى له تأميناً لدينه، في حين أن عقد الرهن يتضمّن في مادته التاسعة إقراراً صريحاً من أصحاب البنك بتطبيق المادة 120 في حال إخلالهم بموجبات العقد».
إلى هذا المنشور، كان زبيب قد تحدّث خلال أحد المؤتمرات في 4 شباط، عن أن «112 مودعاً فقط، هم أكبر المودعين، أخرجوا وحدهم أكثر من 5.6 مليارات دولار. وتوازي قيمة ودائعهم المسحوبة مجمل ودائع مليونين و207 آلاف حساب تمت مصادرتها، أي 78% من مجمل الحسابات»، إضافة إلى «انخفاض رصيد ودائع الزبائن في 2019، وأن 15.3 مليار دولار خرجت من الحسابات التي تفوق المليون دولار، في حين أن 355 مليون دولار فقط خرجت من الحسابات دون المليون دولار». إلى منشورات وندوات أخرى، تحدّث فيها أيضاً عن تعاميم حاكم مصرف لبنان ومشاريع قوانين تمنحه «صلاحيات استثنائية، وتغطية المصادرة التي تنفذها المصارف وحمايتها من الملاحقات القضائية، والتوقف عن الدفع بالدولار وحصر السحب بالليرة، وفرض الوصاية على المودعين».
هذه الوقائع وسواها، تدفع إلى التشكيك في أن يكون الموقوفون الثلاثة، وإذا كان ثمة ضالعون آخرون معهم، قد نفّذوا الاعتداء من خلال قراءة هذه الوقائع. في حين أن الاتهامات لا تطاول خير الدين وحده، بل من وراءه صديقه سلامة.
زبيب أعلن في حديث إلى «الأخبار» أنه بصدد «الادعاء الشخصيّ على خير الدين، ومن يظهره التحقيق، كمحرّض ومخطّط وآمر»، وقال إنه «لا شكّ في أن من حرّض وطلب وأمر بالاعتداء هو خير الدين نفسه، وفق ما فهمنا من سياق التحقيقات. كما أن المعركة ليست مع أدواته التي نفّذت الاعتداء ومن الغباء الاعتبار أنهم تحرّكوا بمفردهم، ولن نقبل أن تحصر التحقيقات بهم».
وغرّد خير الدين عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «فور تبلّغي البارحة من المراجع الأمنيّة معلومات عن حادثة الاعتداء على السيد زبيب، قمت بتسليم الأشخاص المتهمين إلى فرع المعلومات لاستكمال الإجراءات القانونية والتحقيقات وكي تأخذ العدالة مجراها، مؤمناً بالقضاء الذي يشكل الملاذ الوحيد الواجب اللجوء إليه لإحقاق الحق».