في «عزّ» انهيار الوضع الاقتصادي في البلاد، انطلقت في الضاحية الجنوبية لبيروت ورشة «خطة سير الضاحية 2020». انطلاقة تأجلت سنوات طويلة، قبل أن يتخذ اتحاد بلديات الضاحية القرار مطلع الشهر الجاري بمباشرة تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة (أعدّتها شركة «خطيب وعلمي» للاستشارات الهندسية) التي يفترض أن تطال الطرقات الأساسية، بحسب ما يتلاءم وطبيعة الشوارع ويحقق أعلى قدر من انسيابية المرور.التعاطي في هذا الملف يأتي من باب «ما هو كائن لا ما يفترض أن يكون عليه واقع السير»، بحسب المنسق الإعلامي في الاتحاد محمد نسر، إذ لا يزعم القيّمون على الدراسة حلّاً مثالياً لمشكلة السير، لكن على الأقل تسعى الترتيبات المعدّة إلى «خفض الاختناقات المرورية بنسبة قد تصل إلى حدود 40%».
تتضمن المرحلة الأولى تغيير وجهة سير في بعض الطرق ذات الاتجاهين إلى طرق باتجاه واحد أو عكس اتجاهاتها. فعلى سبيل المثال، سيتحوّل شارع بئر العبد - من المشرفية باتجاه فرنسبنك في شارع الرويس - باتجاه واحد جنوباً، فيما الشارع الممتد من ساحة القدس إلى ساحة الغبيري مروراً بحارة حريك سيتحوّل باتجاه واحد شمالاً. وسيأخذ الخط الممتد من جادة هادي نصر الله إلى مجمع القائم اتجاهاً واحداً من الغرب إلى الشرق. وتشمل هذه المرحلة أيضاً إعادة تأهيل 18 تقاطعاً من أصل 30، إضافة إلى الشوارع المتفرعة منها، وتركيب إشارات توجيهية وتحذيرية ومرورية وإشارات ضوئية، وتنظيم أماكن وقوف السيارات وتأمين مواقف للعموم، وإنشاء غرفة تحكم مروري خاصة بالضاحية، بالتنسيق مع قوى الأمن الداخلي وتطبيق نظام الوقوف مقابل بدل مالي (بارك ميتر).
هذا الجزء من الخطة، تضع له «الإدارة» حداً زمنياً ينتهي مع بداية أيار المقبل، من دون احتساب التأخير الذي قد يطرأ بسبب بعض العوامل، ومنها «ارتفاع سعر الدولار أكثر أو بروز عوائق مناخية»، بحسب نسر. ما لم يحدث ذلك، من المفترض أن تبلغ كلفة هذه المرحلة خمسة مليارات ليرة، عمل الاتحاد على تأمينها من «مستحقات البلديات في الصندوق البلدي المستقل». يضع نسر الخطة في إطار «التحدي» لحلّ أزمة مستعصية. فرغم الأوضاع المالية الدقيقة التي تمر بها عموم البلديات، وتأثيرات سعر صرف الدولار على أسعار البضاعة المستوردة في غالبيتها، إلا أن ذلك «لم يحل دون المضي في تنفيذ الخطة لحل أزمة كبيرة يواجهها المواطنون بشكل شبه يومي»، خفض الاختناقات المرورية 40% هي نسبة «مثالية» قد تتوصل إليها الخطة. هذا ما يقوله الاتحاد عن خطته «الأولى من نوعها»، إذ إن الخطة «شاملة»، على عكس ما جرى من محاولات بلدية سابقة باءت بالفشل، بسبب انطلاقها من «نقاطٍ موضعية لم تأخذ في الاعتبار المنطقة بشكل عام، ومداخلها ومخارجها بشكل خاص»، إضافة الى النقص الذي تعاني منه مناطق الضاحية على صعيد التنظيم المدني، والافتقار إلى شبكة طرقات حديثة، فضلاً عن الاكتظاظ السكاني، إذ ثمة تقديرات تشير إلى أن تعداد سكان المنطقة يفوق مليون نسمة (يشمل آلاف اللاجئين السوريين والفلسطينيين) في مساحة لا تتعدى 30 كيلومتراً مربعاً، ويدخلها يومياً نحو 250 ألف سيارة، ما يجعل زحمة السير أمراً لا مفر منه. هذه أسباب كافية لجعل الخطة أولية، ولو في عزّ أزمات البلد.
تشمل المرحلة الأولى تغيير وجهات السير وإعادة تأهيل 18 تقاطعاً من أصل 30


في التفاصيل، ترصد الخطة الكثير من المشاكل التي تقود إلى «أزمة السير»، والتي تتركز عند الانتقال من شرق الضاحية إلى غربها، ولكم أن تتخيّلوا حال الطرقات والمنعطفات التي يجب على المرء قطعها و«لفّها» للانتقال من منطقة الأوزاعي إلى دوّار الصياد. هذا الواقع وغيره لحظته الخطة في بنودها، وإن كان الحل «النهائي» مرتبطاً بـ«وظائف» الدولة، من إنشاء جسور وأنفاق لتسهيل الانتقال من الشرق إلى الغرب وبالعكس، إضافة إلى تأهيل الطرقات والأوتوسترادات الدولية، وما يصاحب ذلك من اعتمادات واستملاكات لتنفيذ المهام. وهذه مهام شاقة، ما يدفع إلى السؤال عن جدوى هذه الخطة في ظلّ تقاعس الدولة عن القيام بواجباتها، وكيف ستنجح خطة يُنفّذ شق واحد منها يتعلق باتحاد البلديات؟ عن هذه الأسئلة، يجيب نسر بأن «المهم هو البدء بالتنفيذ، ولو في الجزء المتعلق بمهامنا». ضمن هذا الجزء، يطمئن الاتحاد الى حسن سير المشروع، خصوصاً أن «كل شيء مدروس ومطمئن لسير الخطة بالتعاون مع المواطنين الذين يريدون تسيير شؤون حياتهم». ما عدا ذلك، يبقى انتظار الدولة الغارقة في «خطاياها» الاقتصادية.