هل يكون رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل العبء الأكبر على الحكومة؟من يعرف باسيل يعرف جيداً أن الرجل لا ينام على ضيم، وأنه لن يستكين في رد فعله على ما حصل من تطورات في الأيام الأخيرة وأفضت الى هذه الحكومة. هذا لا يعني بحسب عارفيه أن ردة فعله ستكون صحيحة، أو أنها لن تزيد إشكالات جديدة على الأزمة السياسية التي لا يتفاءل أي عاقل بأن حكومة الرئيس حسان دياب ستحلّها. لكن هناك دفتر حسابات يكبر منذ التظاهرات، ويتصرف باسيل من وحيه، مهما كانت كمية الأخطاء التي يرتكبها. فكيف إذا أضيف الى مسلسل «الاضطهاد المزمن» الذي يتحدث عنه دوماً، دور حزب الله في «تحجيم» دوره الحالي في الحكومة، مع الاحتمالات الرئاسية المفتوحة على علامات استفهام كثيرة؟
قبل 17 تشرين الأول، عقد لقاء الساعات الطويلة بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وباسيل، الذي روّج له مناصرو التيار أنه اللقاء المفصل الذي حدد مسار باسيل الرئاسي. إلا أن النشوة انتهت عند لقاء نصر الله التالي مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي خفف وهج اللقاء الأول، وسرعان ما انفجرت التظاهرات لتطيح نتائجه. منذ ذلك اليوم، وباسيل يراكم الأخطاء بحسب معارضيه، بمن فيهم حلفاء مزمنون، سواء بزيادة مفعول التحدي للتظاهرات الشعبية، واستخدامه الشارع في مقابل شارع، لحسابات تتعلق بالوضع المسيحي الداخلي. كذلك الأمر في تجييره مرات عدة كلام رئيس الجمهورية لخدمة التيار في وجه المتظاهرين، ما منع القبض مبكراً على زمام الأمور وفاقم ردات الفعل على رئاسة الجمهورية كطرف منحاز.
زادت استقالة الرئيس سعد الحريري من التوتر السياسي، كما المفاوضات التي تمحورت حول احتمال عودته ورفض رئيس الجمهورية لذلك مقابل موافقة ثنائي حركة أمل وحزب الله. موقف باسيل ظل ملتبساً، لأنه في العمق يريد عودة الحريري الى حكومة سياسية، يكون مشاركاً أساسياً فيها، إذ لا يرتضي، بعد 11 عاماً في الحكومات، إلا أن يكون على الطاولة بشخصه، وهو الذي عرف عنه بأنه يعمل منفرداً ولو أحاط به جيش من المستشارين. لكن رقعة الخلاف التي توسعت مع الحريري علانية، صعب ردمها والقفز فوقها، فيما كانت أوساط سياسية تتحدث عن أن مسار عرقلة باسيل للمرشحين الحكوميين الواحد تلو الآخر، ومن ثم عرقلة المسودات الحكومية والضغط في الحقائب، كانت بهدف إبقاء دفة الباب مفتوحة للحريري. فمع تكليف دياب، استمر باسيل في مسار اعتقد أنه سيوصله الى النهاية نفسها، حين قام بأداء مماثل في حكومات الرئيس تمام سلام وسعد الحريري. مشكلته أنه بالغ في استنزاف موقف حزب الله الداعم له بلا منازع، ومن دون احتساب أي حليف آخر، من دون الأخذ في الحسبان المشاكل الإقليمية. لذا كبر وقع أداء حزب الله حكومياً، لأن المسودة الحكومية عكست موقفاً سلبياً من الحزب تجاهه، وهو أمر مكلف له ولن يتمكن من هضمه بسهولة.
ردة فعل التيار على ما حصل في التشكيلة الحكومية، بغض النظر عن الخلافات الداخلية حول ارتداد السلوكيات المتبعة إزاء أزمة الحكم منذ 17 تشرين الأول ليست إيجابية تجاه حزب الله. لأن باسيل لأول مرة منذ لقاء فرنجية ــــ الحريري في باريس، ومن ثم التسوية الرئاسية الحكومية وتشكيل حكومتَي الحريري في ظل رئاسة عون، والانتخابات النيابية، يخسر ورقة أساسية أمام حليف حزب الله، خصمه المسيحي والشمالي والرئاسي، وخصوصاً أن الرهان العوني وحتى من قوى سياسية على خصومة معه، أن فرنجية سيتراجع أمام تمنيات حزب الله بتسهيل ولادة الحكومة، كما تراجع أكثر من مرة رئاسياً وحكومياً. وقوف فرنجية علانية بحدّة في وجه باسيل، تبنّاه الحزب أيضاً علانية للمرة الأولى بهذا في الوضوح، فخسر باسيل في اللحظات الأخيرة من المفاوضات. وهذا التصرف ليس أمراً عابراً، لأنه يعني في مكان ما أن مفعول لقاء الساعات السبع بدأ يتضاءل، لأن القضية تتعدى المقعد الوزاري، أو «الثلث الضامن» غير المبرر في «حكومة اللون الواحد».
طبعاً، ثمة محاولات إعلامية لتصوير تشكيلة الحكومة وحصة التيار فيها إنجازاً، مع استعادة وزارات التيار كالدفاع والخارجية والطاقة والعدل، لكن في المقابل يعرف باسيل أن الفخاخ فيها كثيرة، مع ارتفاع منسوب الموالين لسوريا فيها، وهذا يحصل للمرة الأولى منذ عام 2005، ووجود مرشح رئاسي أيضاً هو الوزير دميانوس قطار، لم يستطع إبعاده منها، كما فعل مع غيره من المرشحين الموارنة، رغم تبدل الحقائب التي كانت تسند إليه أربع مرات. إضافة الى أن باسيل ورغم تقاطع المصالح أخيراً بينه وبين الرئيس نبيه بري، يجد نفسه مرة أخرى في وجه مجموعة حلفاء للحزب داخل الحكومة لا يكنّون له وداً كبيراً، ولديهم تقاطعات إقليمية أكثر تأثيراً. ناهيك عن أن شبكة المصالح داخل الحكومة من الآن وصاعداً، ومنها حصة رئيس الحكومة نفسه، ستكون ثقلاً لا يستهان به في وجه باسيل، وسط مزايدة رئيس الحكومة بصلاحياته، ورغبة فريق سياسي متفلت من وصاية باسيل على التصرف بهامش حرية كبير لم يكن متاحاً لقوى سياسية أخرى في الحكومات السابقة.
كل ذلك يترك تداعيات سيئة، يضاف إليها أن باسيل لا ينسى ما يتعرّض له، ولا يتراجع، كغيره من شخصيات وأحزاب سياسية، متبعاً الأسلوب نفسه الذي اتبعه رئيس الجمهورية قبله، مهما تجاوز من خطوط حمر، الى حد أن عارفيه يتحدثون بجدية عن إمكان أن نشهد تبدلاً ملحوظاً في أدائه، وهو قادر على أن يردّ الضربة التي تلقاها، من خلال الشارع، وقد لا نسمع له بعد الآن تصريحات تطالب بفتح الطرق المقطوعة ولا بتدخل الجيش وبعودة نغمة تلاقي مطالب التيار مع مطالب الشارع ورفع سقف التحذيرات السياسية، طالما أن الحكومة هي المسؤولة وهو لا يتمثّل فيها بشكل رسمي.