كان مستشفى أوتيل ديو يستقبل، ليلَي السبت والأحد، جرحى الإصابات مباشرة وعن قرب بقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والحجارة، حين حاولت قوة من شرطة بيروت الوقوف على مدخله قبل أن تنسحب باعتراض من أهالي الجرحى والطاقم الطبي. المصابون كانوا شباباً عشرينيّين، وبعضهم قصّر. معظم إصاباتهم في القسم الأعلى من أجسادهم. العيون والرؤوس. خرجت المديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي، لتبرّر أمس، أن «نوعيّة الرصاص المطّاطي الموجود بحوزتنا تُستخدم في عددٍ من الدول المتطوّرة، منها فرنسا، على سبيل المثال لا الحصر، ويمكن إطلاقها باتّجاه المشاغبين الأكثر عنفاً وخطراً». البيان الأمني قال أيضاً «إن الأوامر تُعطى للعناصر بإطلاق الرصاص المطّاطي باتّجاه الأرجل حصراً، على مسافة حوالى 10 أمتار. وما حصل في بعض الحالات القليلة جدّاً، (أي وجود الدافع البلاستيكي مع الكرة المطّاطية) وذلك نتيجة إطلاقها من مسافة قريبة على أشخاص كانوا يقومون بأعمال شديدة العنف»... الرصاص «على الطريقة الفرنسية»، مثل الغاز الذي قيل إنّه تقدمة فرنسيّة للقوى الأمنية، حصد 3 عيون في 3 إصابات مباشرة، لتُضاف إلى 4 إصابات في العيون بحجارة مكافحة الشغب، وهذه عيّنة من المشاغبين شديدي العنف الذين أُصيبوا...
أيمن
«الغرفة 3703» في مسشتفى «أوتيل ديو»، كانت تغصّ في اليومين الماضيين بزوّار أيمن الدقدوق، ابن النبطيّة الذي أصيب بـ«حجر كبير» من قوى مكافحة الشغب، ليل الأحد في وسط البلد. كان أيمن يحاول إنقاذ إحدى الصبايا وسحبها من أرض المواجهة، حين التفت إلى الخلف ليصاب إصابة مباشرة في عينه. الصبيّة عادته بدموعها أمس، غسلت ثيابه عن أمّه المتوفّاة... كذلك فعل عشرات الزوّار من المنتفضين الذين لا يعرفونه شخصياً. بالورود والشوكولا حاولوا تعويض غياب والد مسافر. اختار أيمن طريقاً جديداً لمقاومة الفساد ومساعدة المسحوقين وإنقاذ المصابين، ولأنّه مؤمن بالانتفاضة، كان زرّ «17 تشرين» مثبتاً على الروب الأبيض قرب صدره. من سريره ابتسم، لكلّ من زاره واعداً بالعودة إلى الساحة، لأنّه أساساً لا يملك مأوى ولا عمل. حين خرج أيمن من المستشفى أمس، بانتظار تحديد مصير عينه يوم الاثنين، مرّ إلى الساحة قليلاً ليطمئنّ على حلمه بحياة كريمة وبلد أفضل.

مهدي (18 عاماً)
«حدَّق في عينيّ، لثوانٍ، وقبل أن أبارح مكاني... أطلَق!». حدث ذلك ليل السبت، قرب مبنى جريدة «النهار»، قبيل انطلاق المواجهات بين المحتجّين وشرطة مكافحة الشغب في وسط البلد. «كنت أتحدّث عبر الهاتف، نظرتُ خلفي وكانت قوى مكافحة الشغب تتقدّم لناحية المتظاهرين، رأيتهم خلفي. «شفتو عم يتطلّع فيني، قبل ما إتحرّك، قوَّص!»». هي ثوان معدودات مرّت، لم يتمكّن خلالها مهدي برجي (18 عاماً) من مغادرة مكانه قبل أن تصاب عينه اليسرى بالرصاص المطاطي... ويخسرها! «لم أرَ وجهه، الخوذة والأقنعة منعتني. الله يسامحه»، بعد إصابته «نقلني الشباب إلى شارع آخر، وبعدها نقلني الإسعاف إلى المستشفى». مهدي الذي توقّف عن دراسة اختصاص «الكهرباء والميكانيك» العام الماضي في «المهنيّة» (المؤسسة المهنيّة العامليّة)، كان قد بدأ عملاً جديداً كحارس في محلة بشارة الخوري، قبل إصابته بتسعة أيام تحديداً، «كنت مخلّص شغلي ونازل عالساحة، وصار اللي صار، أكيد خسرت شغلي، لأن كنت بعدني مبلّش». والدته تحاول أن تمنعه من النزول مجدّداً إلى الساحة، ومع ذلك فإن ابن بعلبك لم يفقد الحماسة ولم تنتهِ مطالبه بعملٍ لائق.

عبد الرحمن (17 عاماً)
«كان كل شيء طبيعياً، فجأة بدأ الإشكال مع القوى الأمنية، بينما كنتُ أحاول العبور إلى ناحية رفاقي حتى نغادر، التفتُّ لناحية قوى الأمن وأُصبت في عيني بالرصاص المطاطي». حدث ذلك يوم السبت، خلال المشاركة الأولى لعبد الرحمن جابر (18 عاماً إلا شهرين)، في تظاهرات بيروت. ابن بلدة بوارج البقاعيّة كان يعتصم يومياً في ساحة جديتا وعند مفرق قب الياس، لكنّه قرّر هذه المرّة أن ينزل مع رفاقه للمطالبة بحقّه في العمل والتعليم من ساحة الشهداء. بعد العمليّة الأولى، سأل عبد الرحمن طبيبه: في أمل؟ أجابه: 10 بالمئة. خضع يوم الاثنين لاختبار آخر، كانت نتيجته أن «خسرت كليّاً الأمل بالنظر في عيني اليُمنى».
كنتُ أحاول العبور إلى ناحية رفاقي لنغادر، التفتُّ لناحية قوى الأمن فأُصبت في عيني

العام الماضي، كان عبد الرحمن يدرس «الفندقيّة» (مركز عمر المختار التربوي) ويعمل في مطعم في الوقت عينه، لكنّه خسر عمله قبل 8 أشهر، ولذلك لم يتسجّل لمتابعة دراسته هذا العام. علم أهله بمشاركته بالتظاهرات قرب بلدته، لكنّه نزل خلسة إلى بيروت، «قررنا أن ننزل معاً، رفاقي وأنا، لأن هون ما حدا معبّرنا!». يوم الاثنين المقبل، يراجع عبد الرحمن طبيبه، وحينها سيقرّر له زمان عملية الاستئصال كي لا تتضرر العين الأخرى. لكنّ والدته لم تستسلم للنتيجة، حاولت «عبثاً» أن تبحث أمس، عن أمل جديد لدى طبيب آخر. يبلغ عبد الرحمن عامه الـ 18 في آذار المقبل، وبالرغم من أنّه لم يرَ وجه الذي أطلق الرصاص المطاطي عليه، «لأنّه كان يضع خوذة ودرعاً»، يريد أن يتوجّه إليه ولباقي العسكريّين، بالقول: «نحن نطالب بحقوقكم، برواتبكم التي لن تتقاضوها بعد مدّة، أديروا ظهركم إلينا وقوموا بحمايتنا نحن، وليس السلطة».

شربل (20 عاماً)
«خلال تراجع مكافحة الشغب، استدار أحدهم نحوي، نظر إلى عينيّ وأطلق القنبلة نحو وجهي. كان يبعد عني نحو 3 أمتار». حدث ذلك يوم السبت، في محيط بيت الكتائب (الصيفي). أصيب شربل فرنسيس (20 عاماً) إصابة مباشرة بقنبلة في رأسه بمحيط العين، التي لم تتضرّر لحسن حظّه، وكانت النتيجة «105 قطب داخليّة وخارجيّة. عيني مطبقة منذ يومين، وأشعر بمن أصيبت عيونهم بالكامل». يحتاج شربل العامل في الطباعة إلى 6 أشهر من العلاج والراحة. «أسامح الذي أطلق عليّ. أتفهّم أن العسكري خائف وهو بحالة دفاع عن النفس، بس التصويب عالوجه! ليش؟». حين كان شربل في طوارئ المسشتفى والدم يغطّي وجهه، سئل إن كان سيعود إلى الساحة وكان جوابه إيجابياً. على وقع إعلان التشكيلة الحكوميّة أمس، كرّرنا السؤال نفسه، فكّر قليلاً، وأجاب: «منشوف، لكانت صحّت عيني».