منذ ليل الثلاثاء الماضي، تركّزت الاحتجاجات الشعبيّة على المصارف ومصرف لبنان، إذ عمد المحتجّون إلى توجيه «الطعنات الموضعيّة» لها، عبر تحطيم واجهاتها دون سواها من المحال. ولأن ضرب المصارف «يوجع» الطبقة الحاكمة، كان القرار إلى القوى الأمنيّة حاسماً بالقمع. أسبوع «الشغب ضد المصارف» سُجِّلت خلاله اعتداءات للقوى الأمنيّة ليلَي الثلاثاء والأربعاء، لتهدأ موجات القمع، نسبياً، ليل الخميس، تحت ضغط المنتفضين. لكن التطور الذي حصل منذ فجر أمس تمثّل بزجّ الجيش في معركة الدفاع عن المصارف. ففي شارع الحمرا في بيروت مثلاً، انتشر جنود الجيش على أبواب المصارف، لحمايتها من أي «اعتداء». وفيما نفت مصادر أمنية أن يكون مجلس الأمن المركزي الذي انعقد يوم الأربعاء الفائت قد قرر تكليف الجيش بحماية المصارف التي تحتجز أموال المودعين ورواتب موظفي القطاعين العام والخاص، أكّدت مصادر أخرى أن قرار الجيش بحماية المصارف في شارع الحمرا تحديداً صدر بناءً على طلب من رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري!عبر مكبّر الصوت، نادى أحد عناصر مكافحة الشغب من أمام المصرف المركزي، أمس، قائلاً «ندعو المواطنين الكرام لعدم القيام بأعمال شغب، دعوا تظاهرتكم سلميّة». النداء الذي وجّهه العنصر كان لافتاً والأوّل من نوعه، إذ كانت «مكافحة الشغب» تنطلق عادة، بلا إنذار. المحتجّون ردّوا: «مش سلميّة، مش سلميّة... مولوتوف، مولوتوف»، مضرمين ناراً في السور الخارجي لمصرف لبنان الذي أضيف إليه جدار اسمنتي يحجبه عن حركة الشارع. بعد ندائه «الأخير»، خرج الضباط أمام العناصر من خلف السور، ولاحقوا المعتصمين كدوريّات شرطة جابت شارع الحمرا من دون أن يتعرّضوا لهم. المحتجّون كانوا بأعداد و«شغب» أقلّ، في حين كانت «المكافحة» أكثر «انضباطاً» بعكس الأيام الماضية، وذلك بعد ضغط الشارع والإعلام والوقفات الاحتجاجيّة. وزيرة الداخلية ريا الحسن التي أعلنت أنها «ليست مسؤولة» عن أمر القمع وأنها «فالّة بكرا» أول من أمس، عادت لتطلب أمس من المفتش العام لقوى الأمن الداخلي فادي صليبا «متابعة التحقيقات التي تجريها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي نتيجة الأحداث التي حصلت خلال الساعات الـ 48 الماضية»، مع تأكيدها «أن بإمكان المتضرّرين من المتظاهرين التقدّم بشكاوى لدى المفتشية العامة لقوى الأمن».
من أمام المصرف المركزي، انطلق المحتجّون إلى شارع الحمرا وتفرّعاته، ثم عادوا إلى نقطة انطلاقهم، وانطلقوا بمسيرة إلى منزل رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في شارع بلس، وعادوا إلى المصرف.
مجموعات مختلفة من «الحركة الشبابيّة للتغيير»، اتحاد الشباب الديموقراطي، «مجموعة شباب المصرف»، كانت حاضرة، وهي تؤكّد أن «شباباً متنوّعين انضمّوا إلينا ليل الخميس من دون حدوث أعمال شغب كبيرة ولا عنف مفرط من القوى الأمنيّة». عضو الحركة الشبابية للتغيير خضر أنور، يرى أنّ من ينضمّون «إلى تحرّكاتنا أمام المصارف، أدركوا أن المصارف هي المشكلة، وهم لم ينزلوا بقرارات حزبيّة، أما دورنا كمجموعات منظّمة فهو أن يكون خطابنا معبّراً عن صلب الصراع الطبقي. نحن كمجموعات منظّمة يساريّة لدينا عداوة حقيقيّة وطبقيّة للمصارف. واللافت أن المحتجين الذين انضموا إلينا ردّدوا معنا هتافاتنا ضدّ المصرف وسلطة رأس المال، ولم يتعرّضوا إلا لواجهات المصارف»، ويضيف: «نأمل أن تعمّ عدوى العداء للمصارف مثلما شاهدنا تحرّكات في المتن والجنوب والشمال ضدّها». المجموعات الجديدة «جاءت بفعل الوجع والقهر الذي يولّده تعاطي المصارف. ونحن لا نرفض وجودهم، بل على العكس نريدهم أن يثوروا معنا».
«مجموعة شباب المصرف»: نأمل أن تعمّ «عدوى» العداء للمصارف


كذلك نظّمت أمس، تجمّعات على جسر الرينغ تقاطع برج الغزال، وساحة النجمة حيث استقدمت «آليات حديدية لردع المحتجّين». وسجّلت وقفات احتجاجية لطلاب المدارس والجسم الطبي، ومسيرة راجلة من نهر الموت إلى جل الديب. كما جرت الدعوة إلى مسيرة اليوم، على غرار مسيرة السبت الماضي، بعنوان «لن ندفع الثمن ــــ لا ثقة»، تنطلق الثانية بعد الظهر، من الدورة إلى شركة الكهرباء، ومن البربير وساحة ساسين إلى وزارة المال (العدلية)، وتلتقي المسيرات عند جمعيّة المصارف لتتّجه إلى البرلمان.
الإفراج عن جميع المعتقلين اللبنانيين من ثكنة الحلو يوم الخميس، استثني منه عدد من الأجانب، وعليه أعلنت لجنة المحامين المتطوّعين للدفاع عن المتظاهرين، أمس، أن «المحامين المتطوّعين لا يزالون يتابعون احتجاز الأجانب الموقوفين منذ 14 و15 الجاري. وقد تم الإفراج عن ثلاثة منهم وأبقي خمسة سوريين قيد التوقيف بسبب عدم حيازتهم الإقامة الرسمية، نظراً الى فرض الأمن العام شروط إقامة غير قانونية على المواطنين السوريين. وستتم إحالتهم الى الأمن العام في بداية الأسبوع المقبل». وللسبب عينه، دعي إلى وقفة تضامنيّة الحادية عشرة صباح اليوم، أمام الأمن العام (كورنيش بيار الجميل)، للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين الأجانب تعسّفياً «من أجل عدالة تشمل الجميع».