يتمحور تأليف الحكومة منذ اليوم الأول لتكليف الدكتور حسان دياب، حول نقطة مركزية، تتعلق بمشروع هذه الحكومة فعلياً والهدف منها. لأن ما يظهر حتى الآن أن لا مشروع حقيقياً لها سوى التباين الفعلي مع الهدف الأساسي الذي انطلق منه المحتجون في الشارع للمطالبة بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري والإتيان بحكومة أخرى. فالحكومة المفترضة حائرة بين أنها موقتة في انتظار عودة الرئيس سعد الحريري مجدداً، أو حكومة الوقت الضائع لسحب توتر الشارع ليس إلا، أو حكومة غير فاعلة بسبب الضغوط الخارجية والداخلية من قوى سياسية ومن المتظاهرين. وفق ذلك، لا تبدو أنها ستكون مقتنعة أو مقنعة بمهمتها، طالما أن الهدف منها ليس واضحاً، بحسب ما بدأ يظهر من تشكيلاتها الاسمية، والطريقة التي تدير بها القوى السياسية إياها مفاوضات التأليف، والشروط التي لا تزال توضع على الطاولة من دون الالتفات الى استمرار التظاهرات وقطع الطرق. التحدي الأبرز في البلد اليوم ليس سياسياً، بل هناك تحدّ اقتصادي ومالي كان ولا يزال السبب الذي أدى الى استقالة حكومة الحريري، ما يثير هواجس مقلقة من ألا تكون التركيبة المطروحة على قدر الصعوبات المالية، لأنها تكاد تشبه نسخة مقلدة عن الحكومة الحالية، فتتكرر تجربة تعاملها ومعها كل أركان السلطة، حيال أداء المصارف السيئ والأزمة المالية الأكثر شراسة التي عرفها لبنان، وكأنها مجرد فقاعة صابون.
(هيثم الموسوي)

لذا يرتفع مستوى التحذيرات الدولية، الأميركية والأوروبية، الى المعنيين حول خطورة الوضعين المالي والاقتصادي، مرفقة بنصائح جدية للتركيز على هذين الملفين من دون أي تردد، كأولوية، بصرف النظر عن هوية رئيس الحكومة. وتظهر في هذا المجال مقاربة الأميركيين تحديداً الى الملف الحكومي مختلفة أكثر عن غيرهم من المتعاطين بالشأن اللبناني. إذ بدا واضحاً أن الأميركيين لم يظهروا في رسائل مباشرة اهتماماً باسم رئيس الحكومة وطريقة تأليفها. لامبالاتهم وصلت الى حد عدم الالتفات كثيراً الى مجريات الوضع الداخلي وتطوره السياسي بين مختلف الأفرقاء واحتمال انهياره. لا بل إنهم ضاعفوا القلق اللبناني من خلال إعادة تلويحهم، كما تبلغت بعض المراجع، بعقوبات على مروحة من الشخصيات غير الرئيسية، ولكن لها دلالاتها السياسية الواضحة.
في المقابل، ركزوا على بندين أساسيين، انطلاقاً من أن ثقتهم الحالية محصورة بالجيش، ولكن أيضاً وفق حساباتهم وشروطهم. أبدى الأميركيون في لقاءات ورسائل واضحة ثقتهم بالجيش كمؤسسة وحيدة بعيدة عن المؤسسات الرسمية والحكومية الأخرى. ومن أجل ذلك يحرصون في كل مناسبة على إظهار أهمية دورها وعلى تقديم المساعدات لها حين تتوقف كل أطر المساعدات للبنان. ومن أجل ذلك أيضاً كانوا واضحين في إبداء رأي قاطع، وليس مجرد ملاحظة، أنهم لن يقبلوا في إطار مشاورات تأليف الحكومة بتكرار تجربة الإتيان بوزير دفاع يسبب ذبذبة في الجيش كما يجري حالياً وتتردد صداه في كل المحافل التي تعنى بالوضع اللبناني الداخلي. وأشار الأميركيون إلى أن ما يحصل بين وزير الدفاع الحالي الياس بوصعب والجيش غير مقبول، لأن ذلك يثير منذ أشهر نوعاً من الفوضى غير المستحبة، ويترك علامات سيئة في وسط مؤسسة عسكرية هم يرعونها. هذا الأمر الحكومي الوحيد الذي كانوا حريصين على تبيانه والتأكيد عليه، بعيداً عن طرح أو تزكية أي اسم لوزارة الدفاع، بقدر حرصهم أيضاً على إبلاغ الجيش والسلطة السياسية أن من غير المسموح التعرض للتظاهرات وتعدّي ضباط وعسكريين على المتظاهرين، مع الإشارة الى أحداث وقعت في هذا المجال، وضرورة عدم تكرارها، وخصوصاً مع احتمال ارتفاع وتيرة التصعيد في الشارع والعودة الى قطع الطرق، علماً بأن الجيش أثبت في الأيام الأولى قدرته على ضبط الوضع من دون الإساءة الى المتظاهرين، ووصلت إشادات غربية أكثر من مرة بهذا الأداء، وتكرر قيادته أمام زوار عرب وغربيين توضيحاته حول أساليب تعاطيه مع المتظاهرين الموزعين بين المطالبين بأمور حياتية بحت، ومنتمين حزبيين يقطعون الطرق ومجموعات تثير الشغب.
أسلوب تعامل الأميركيين مع السلطة يعتمد على اختيار وزير الدفاع


هذا لا يعني أن الأميركيين ينظرون الى الجيش على أنه منزّه، أو أنه معفيّ من ضغوطهم. بالعكس تماماً، فإن الجيش يشكل بالنسبة إليهم وسيلة ضغط فاعلة على لبنان وهو ما ظهر مرات عدة من خلال التلويح بوقف مساعداتهم له، ومن ثم إعادة إطلاقها وفق شروط وبرامج محددة وتحمل دلالات. وهم يستخدمونه بذلك كل مرة كرسالة تعبّر حقيقة عن موقفهم من لبنان، سواء في حفظ استقراره أو في تركه يتخبط في أزمات داخلية تؤثر على أمنه الداخلي كما يحصل حالياً، علماً بأن الجيش يحرص أمام الأميركيين وأمام غيرهم أيضاً على إبراز أهمية المساعدات والهبات الأميركية على عمله، سواء في التدريب أو نوعية السلاح التي يحصل عليها. وذلك يحتسب في إطار رؤية سياسية أميركية لدور الجيش في ساحة رمال متحركة، تبقيه تحت رعايتها. وهذا يعني أن اختيار وزير الدفاع المقبل سيكون له ارتداداته الحتمية لديهم سلباً أو إيجاباً، وعليه يتوقف الكثير من أسلوب تعاملهم مع السلطة ككل وليس الحكومة وحدها.