لم تعد ساحة الاعتصام الرئيسية في طرابلس تجذب الأنظار، بعدما فقدت ساحة عبد الحميد كرامي (ساحة النور) زخماً كانت تستقطب عبره حشود المحتجين ومؤيدي الحراك الشعبي من مختلف أحياء المدينة، ومن مناطق شمالية ولبنانية متفرقة.في الأيام العشرة الأخيرة غابت الساحة تماماً عن المشهد، سواء الإعلامي أم الجماهيري، وتكفي جولة سريعة فيها في أي وقت للتأكد من غياب أي أثر جماهيري فيها، إلا نادراً. تحولت ساحة مغلقة أمام خيم انتشرت فيها وفي الشوارع المتفرعة منها، يحضر فيها ناشطون قليلو العدد، وبعضها يبقى أحياناً فارغاً أغلب ساعات النهار، إضافة إلى بسطات شعبية توزعت في أرجاء الساحة لبيع الكعك والقهوة والعصير وغيرها.
لكن هذا لا يعني أن المحتجين الذي غادروا الساحة قد عادوا إلى بيوتهم؛ فالتظاهرات المتنقلة في شوارع المدينة، وحركة الاحتجاجات أمام المؤسسات العامة والمدارس والجامعات ومنازل السياسيين والمصارف وغيرها، والتي أجبر بعضها على الإقفال أياماً، أظهرت أن المشرفين على الحراك قد نقلوا أنشطتهم بعيداً عن الساحة.
غير أن هذه التحرّكات الاحتجاجية لم تبق سلمية كما كانت في الأيام الأولى بعد انطلاقها. يوم السبت الماضي كان دليلاً على حجم الانفلات الذي شهدته المدينة، بعدما استغل المحتجون تكليف الرئيس حسان دياب بتأليف الحكومة، والاستشارات النيابية التي أجراها في مجلس النواب، فقاموا بقطع أوصال طرابلس، وأغلقوا منافذ الطرقات والشوارع الرئيسية بكل ما صادفوه في طريقهم من مستوعبات نفايات وحجارة، وأشعلوا فيها الإطارات، فأغلقت المؤسسات العامة والخاصة والأسواق على نطاق واسع.
إلا أن التصعيد لم يتوقف عند هذا الحدّ، فالهدوء الذي تعيشه طرابلس منذ نيسان 2014، والذي أُرسي فيها بعد تطبيق خطة أمنية برعاية الجيش اللبناني، وأنهت جولات الاشتباكات والعنف الـ22 التي عاشتها، شهد نكسة ليل الجمعة - السبت، وأثار مخاوف واسعة، عندما شهدت المدينة تطورين خطيرين في هذا السياق: الأول رمي مجهولين 11 قنبلة يدوية في مناطق مختلفة هزّت أرجاء عاصمة الشمال؛ والثاني إطلاق مجهولين رشقات في الهواء من أسلحة حربية، بينما كانوا يجولون بسياراتهم ذات الزجاج الداكن في شوارع المدينة، ما أثار الرعب والهلع في نفوس الأهالي. وقد أعلن الجيش مساء أمس توقيف أربعة أشخاص، يُشتبه في أن أحدهم رمى قنبلة يدوية في مجرى نهر أبو علي.
هذا التطور الخطير دفع الهيئات والفاعليات الإسلامية والمدنية في طرابلس إلى عقد لقاء يوم أمس في مركز جمعية الدعوة الإسلامية بمنطقة الضم والفرز، دانت فيه «محاولات تشويه صورة الحراك السلمي، من خلال القيام بأعمال شنيعة وقبيحة من تكسير وتشبيح واستباحة كل ما هو محظور». وأكد المجتمعون «رفضهم قطع الطرق وإقفال المرافق العامة الحيوية عامة، ومرافق طرابلس خاصة، وحرمة إطلاق النار العشوائي ورمي القنابل الصوتية لتحويل الحراك من سلمي إلى عنفي، ورفض كل أشكال التشبيح والعدوان والإقفال القسري للجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة، وكذلك المدارس والثانويات الرسمية والخاصة».
يوم السبت وقع إشكال بين الجيش ومحتجين عند مستديرة مستشفى السلام، بعد رفضهم قيام عناصره بتفتيشهم، وإشكال آخر عند الطريق البحرية تحت جسر البالما، بعدما منع الجيش محتجين من قطع تلك الطريق فرشقوه بالحجارة، قبل أن يردّ عليهم بقنابل مسيلة للدموع. لكن يوم أمس هادئاً في عاصمة الشمال، مع إعلان أكثر من جهة في الحراك التوقف عن قطع الطرقات إلى ما بعد فترة الأعياد، والنزول إلى بيروت بدلاً من طرابلس.
ولهذه الغاية تجمّع أمس في ساحة كرامي (النور) أكثر من 15 حافلة لنقل المحتجين إلى ساحة الشهداء في بيروت للمشاركة في ما أطلق عليه «أحد الرفض». لكنّ إشكالاً وقع بين المحتجين والجيش عند حاجز المدفون، بسبب رفضهم التدقيق في هويات المحتجين وتفتيش الحافلات، ما أدى إلى تلاسن بين بعض المحتجّين وعناصر الجيش، قبل أن يتمّ حلّ الإشكال ومتابعة الحافلات طريقها باتجاه العاصمة.