تردّد في الآونة الأخيرة كلام عن نية بعض المودعين في لبنان اللجوء إلى محاكم نيويورك لمقاضاة المصارف اللبنانية جراء القيود غير القانونية التي فرضتها على حسابات الزبائن في إطار عمليات السحب والتحويل. وقد زاد من تداول هذه الفرضية في الأيام الماضية رفع شركة «IMMS» لتجارة النفط دعوى قضائية بحق «بنك البحر المتوسط» (Bankmed) في ولاية نيويورك، بتهمة عدم رد المصرف وديعة بقيمة مليار دولار طلبتها الشركة، على ما ذكرت وكالة «رويترز».لعل أسوأ ما في هذا الخيار هو اضطرار اللبنانيين إلى اللجوء إلى قضاء أجنبي، وتحديداً الأميركي للمطالبة بحقوقهم، في ظل انعدام الثقة بالقضاء المحلي الذي لم يثبت حتى اللحظة رغبته ولا قدرته على مواجهة منظومة المصارف، باستثناء حالة يتيمة تجلت بقرار قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أحمد مزهر إلزام بنك بيبلوس في الدعوى المقامة ضده من قبل شركة «كومرس إنترناسيونال»، تسديد قيمة الحساب العائد للشركة والبالغة قيمته 129 ألف يورو فوراً ومن دون تأخير، تحت طائلة غرامة إكراهية قيمتها 20 مليون ليرة عن كل يوم تأخير، وعلى أن يكون الدفع «نقداً أو وفقاً للوسيلة التي ترتضيها الدائنة المستدعية». (مع العلم بأنه تم استئناف الحكم، وبالتالي من غير المؤكد إن كان سيعمل به).
فهل يمكن قانونياً للبنانيين أن يجدوا عدالتهم المنشودة في نيويورك؟ وهل تكون الولايات المتحدة، التي يعدّ رياض سلامة «وديعتها» الطويلة الأجل في التركيبة اللبنانية، باب الخلاص لتحرير ودائع اللبنانيين المصادرة من قبل المصارف؟
تعتبر ميريام ضاهر، المحامية في نقابات بيروت ونيويورك وباريس، والخبيرة في القضايا المصرفية، أنه بشكل عام «لا يوجد اختصاص لمحاكم نيويورك للنظر في الدعاوى التي قد يقيمها لبنانيون ضد المصارف اللبنانية أمامها». وتقول إن إحدى الفرضيات التي قد تأخذ بها محاكم نيويورك لقبول مثل هكذا دعاوى هي «وجود المصارف المراسلة التي تتعامل معها المصارف اللبنانية في نطاق ولاية المحاكم الجغرافي»، إلا أنها تشكك في مدى قابلية طرح كهذا للتطبيق.
وفي ما يخص الدعوى المقامة ضد «بنك البحر المتوسط» من قبل شركة «IMMS»، تشير ضاهر إلى أن البنك ردّ بأنه يخضع للقانون اللبناني ولاختصاص المحاكم اللبنانية. ومع تأكيدها على عدم اطلاعها على حيثيّات الدعوى بالتفصيل وماهيّة العقد الذي كان مبرماً بين الطرفين، فإنها تقول إنه في حال «ذكر العقد بشكل صريح خيار اللجوء إلى محاكم نيويورك لفض أي نزاع قد ينشأ، فحينها يكون لمحاكم الولاية الأميركية الصلاحية».
الدعاوى أمام محاكم نيويورك ليست خياراً لصغار المودعين غير القادرين على تحمّل كلفة المحامين


في هذا السياق، توضح ضاهر أنه حتى إذا فرضنا وجود صلاحية لمحاكم نيويورك، فإن صغار المودعين في لبنان والذين يشكلون الأغلبية الساحقة من المودعين (1.7 مليون حساب تحتوي على ودائع لا يزيد متوسطها على 3 آلاف دولار، كما أن 32% من الحسابات تتراوح قيمة الودائع فيها بين 3 آلاف و100 ألف دولار، أي أن نحو 92% من الحسابات تحتوي على أقل من 18% من مجمل الودائع) «لن يستفيدوا على الإطلاق نظراً إلى الكلفة الكبيرة لأتعاب المحامين في نيويورك، وبالتالي حتى لو كان المشتكي يملك مبلغ 300 ألف دولار، فإن ما يطالب به قد يذهب لجيب المحامي، هذا دون أن نذكر المدة الطويلة التي قد يستغرقها صدور حكم محكمة البداية والذي قد يأخذ سنة أو سنتين». كذلك تسأل: في حال تصوّر مثل هذا السيناريو عن «مدى قابلية إعطاء الصيغة التنفيذية للحكم الصادر في نيويورك، وبالتالي تنفيذه في لبنان»؟
في الخلاصة، تقول ضاهر إن الدعاوى أمام محاكم نيويورك، في أحسن الأحوال، ليست أكثر من «وسيلة ضغط» لحثّ المصارف على التفاوض، وهنا طبعاً التفاوض مع كبار المودعين القادرين على تحمّل نفقات دعوى في نيويورك. أما صغار المودعين، وما قد يلجأون إليه، فهو السؤال الذي يؤرق الجميع وتحديداً المصارف.