حتى ساعات متأخرة من ليل أمس، كانت الشابّة دانا حمّود لا تزال في ثكنة الحلو تنتظر قرار مفوّضة الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضية منى حنقير، بشأن تركها أو إحالتها على المحكمة العسكرية بتهمة «التعامل بشدّة مع أحد عناصر قوى الأمن»، وتالياً إبقاءها موقوفة رهن التحقيق. حنقير قرّرت ترك حمّود العاشرة صباح اليوم، لكنّ القرار قد لا يعني حفظ الملف أو أنها لن تحوّله لاحقاً إلى المحكمة العسكريّة.قرار حنقير الذي أصدرته الحادية عشرة والنصف قبل منتصف الليل، بإبقاء الشابة المعتقلة منذ بعد ظهر أمس حتى صباح اليوم، في ثكنة الحلو، محاولةٌ للحفاظ على ما يُسمى «هيبة» المؤسسات الأمنيّة، بينما كانت الوقفة التضامنية أمام الثكنة تتحوّل قبيل منتصف الليل إلى مسرح تدافع واعتداء من قبل عناصر مكافحة الشغب على المعتصمين بحجّة «رشقهم الحجارة على أبواب الثكنة»، فيما كانوا ينادون «سلميّة».
وحمود كانت قد اعتُقلت بعد ظهر أمس، إثر إشكال حصل بينها وبين ملازم أوّل في قوى الأمن تعدّدت الروايات حوله، غير أن الأكيد أن طريقة اعتقالها من قبل الضابط، بعدما دفَعها إلى الأرض وأوثق يديها، هو «الشدّة» بعينها. طريقة اقتيادها المُهينة أظهرتها الفيديوات المتداولة، فيما كان أحد العناصر يطلب من الموجودين التوقّف عن التصوير.
وفق معلومات «الأخبار»، وبعكس ما جرى تداوله، فإن حمّود لم تكن في سيارتها بل كانت في عملها في شارع الحمراء (قرب مصرف لبنان)، ونزلت إلى الشارع بعدما شاهدت بلبلة أمام محطة الوقود المحاذية. البلبلة سببها ارتطام سيارة تابعة لشرطة بيروت في قوى الأمن بإحدى الدراجات الناريّة، علماً بأن المحطّة كانت تقوم بتزويد السيارات العسكريّة حصراً. بالتزامن، وفي المحلّة نفسها، كان هناك تجمّع احتجاجي قرب المصرف، تدخّلت المشاركات فيه لمصلحة صاحب الدراجة النارية وألقَين اللوم على سيارة الشرطة، فتعرّض الضابط المذكور بالشتم لإحدى الشابات المعترضات (وليس لدانا). حينها حاول عدد من الشابات، بينهنّ دانا، اعتراض سيارة الشرطة ومنعِها من العبور عبر مطالبة الضابط بالاعتذار من الصبيّة وعن فعلته. لكن الضابط أصرّ على البقاء في السيارة، بينما كان عناصره يقدّمون الاعتذار إلى الصبايا نيابةً عنه، وحين نفد صبره ترجّل شخصياً من السيارة وحصل تلاسن بينه وبين دانا. ووفق الفيديو المتداول، يظهر الضابط محذّراً إياها من البقاء أمام السيارة العسكرية وإمكانية دهس السائق لها، لتقول له: «يدعسني أحسن، بلكي بموت من هالبلد اللي فيه هيك قوى أمن، حطّ عينك بعيني، ما عندك إم؟»، لتضرب بعدها بيديها على السيارة العسكرية، فيعتقلها رجال الأمن. وللمفارقة، فإن غضب دانا سجّل في اليوم نفسه، الذي انتشر فيه فيديو لأحد الضباط وهو يحذّر فيه مواطناً بالقول: «نحن الدولة، نحن الشلمسطيّة».
هتف المحتجّون في شارع مار الياس: «بدنا دانا بلا بولا» (يعقوبيان)


وكان وفد من المحامين قد منع بدايةً من الدخول إلى ثكنة الحلو لمقابلة الموقوفة، وعُلم أن النائبة بولا يعقوبيان حضرت أيضاً إلى الثكنة بهدف التوسّط لدى قوى الأمن والنيابات العامة، كما اعتادت أن تفعل في العديد من التوقيفات السابقة التي طاولت المتظاهرين. تدخّل يعقوبيان كان قد سجّلت حياله اعتراضات ضمنيّة من المحامين المستقلّين المتابعين للقضايا، إذ يعتبرون أن الانتفاضة هدفها الأوّل كفّ يد السياسيين عن الأجهزة العسكريّة ومنعهم من التوسّط لدى القضاء. المتضامنون مع دانا، الذين نظّموا مسيرة رمزيّة في شارع مار الياس قرب الثكنة، هتفوا «بدنا دانا بلا بولا» في إشارة إلى رفض «وساطة» يعقوبيان.
أهل دانا حمّود تمكّنوا من مقابلتها. كما سُمح للمحامين، وبعد تواصل مع مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة، بدخول الثكنة ومقابلتها وتوكّل عنها المحامي وائل همّام، الذي اطّلع على التحقيقات وتأكّد من أن إفادتها لم تؤخذ تحت التهديد وأنه جرى تطبيق شروط المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة.