مع الارتفاع المتواصل لأسعار اللحوم الحمراء والبيضاء، يمنّي كثيرون النفس بالقدرة على مواجهة الصعوبات المقبلة باللجوء الى... البطاطا. خيار قد لا يكون متاحاً لأن الأزمة التي تعصف بالبلاد لن توفّر حتى هذه السلعة الأساسية من نار الغلاء. فمع التقنين الذي تفرضه المصارف على المودعين والتحويلات المالية، وجد مزارعو البطاطا في البقاع وبعلبك ــــ الهرمل وعكار أنفسهم أمام مشكلة إضافية تهدّد موسمهم الزراعي المقبل، بسبب عدم القدرة على توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتسجيل أسمائهم في لائحة استيراد البذار من هولندا وعدد من الدول الأوروبية. ويهدّد تأخير فتح الاعتمادات الموسم برمّته، إذ إن الاعتمادات ينبغي أن تتوافر للمستوردين مطلع تشرين الثاني من كل عام لتحويلها الى الشركات المصدّرة، وهو ما لم يحدث حتى اليوم، علماً بأن موسم البذار يبدأ مطلع شباط، «ما يجعلنا في مواجهة مشكلة تضاف الى مشاكلنا الزراعية، وتهدد مواسمنا التي نعوّل عليها» بحسب المزارع حسين حيدر.
(الأخبار)

يأتي ذلك بعد «موسم كارثي»، وفق المزارع علي زعيتر، إذ إن إنتاجية العام الماضي من البطاطا كانت متدنّية. ولم يعط الدونم الواحد أكثر من طن واحد بدلاً من 3 أطنان بسبب المتساقطات الغزيرة، فيما كانت الأسعار كارثية ولم تتعدّ سعر الكلفة». وأضاف: «كنا سابقاً نعتمد على التجار المستوردين لشراء البذار ونسدّد لاحقاً مع بدء الإنتاج. أما اليوم، في ظل الوضع المالي والاقتصادي، ليس هناك تاجر واحد على استعداد للمغامرة باعتماداته، فيما دولتنا تتفرج علينا... الثورة يجب أن تكون على المصارف التي تستغل المودعين وتحرمهم من لقمة عيشهم».
ويستورد لبنان سنوياً بين 20 و30 ألف طن من بذار البطاطا المؤصّل من هولندا ودول أوروبية أخرى. «لكن، هذه السنة، لن نستورد أكثر من 7 إلى 10 آلاف طن» كما يؤكد التاجر علي فياض الترشيشي لـ«الأخبار». ويوضح أن «استيراد بذار البطاطا من الدول الأوروبية يتطلّب اعتمادات مصرفية أو تغطية نقدية بالدولار أو اليورو. والاعتمادات تكون بموجب ودائع أو ضمانات عقارية. إلا أن المصارف ألغت أخيراً هذه العمليات وحتى التحويلات الخارجية من الودائع، الأمر الذي خلق أزمة.
يستورد لبنان سنوياً 20 ــ 30 ألف طن من بذار البطاطا، فيما لن تتعدّى الكمية 10 آلاف هذا العام

والمطلوب تدخّل مصرف لبنان لمعالجة هذه المشكلة بأن يفرض على المصارف تسهيل أمور الناس بالاعتمادات وتسيير الحوالات، إذ إن معظم المزارعين لا يملكون اعتمادات مالية أو أموالاً نقدية، في حين أن بعضهم يملكون ودائع مصرفية لكنهم غير قادرين على التصرف بها، ولا حتى تغطية شيكات. ولا يمكننا، كتجار مستوردين، أن نغامر ونشتري البذار على حسابنا الخاص كما كان يجري سابقاً ومن ثم تحصيله مع بدء إنتاج المواسم. فماذا لو اشترينا بسعر صرف للدولار يساوي 2000 ليرة وارتفع لاحقاً الى 3 أو 4 آلاف ليرة؟ المسألة فيها خربان بيوت».
المزارع، وهو الحلقة الأضعف، أمام معضلة حقيقية. وإذا استدان لتغطية ثمن البذار، بحسب سعر صرف الدولار حالياً، فمن يضمن له بأن يكون سعر المبيع موازياً بالحد الأدنى لأكلاف الإنتاج، بدءاً من البذار والأسمدة، وصولاً إلى الريّ؟
بعض المزارعين لجأوا الى البذار البلدي، رغم اقتناعهم بعدم جدوى زراعته كونه غير مؤصّل وخُزّن في البرادات لمدة طويلة، ما يعرّضه للفيروسات والأمراض، عدا عن أن إنتاجه غير وفير، ما يعني أن اللبنانيين قد يتذوّقون، الموسم المقبل، مرارة شراء كيلو البطاطا بأكثر من 2000 ليرة!