أمّا جنبلاط، فهو جنبلاط، وكفى. هذا كبيرهم الذي علّمهم «السحر». علاء أبو فخر يكتب له مغرّداً، ولنوابه، أنّ دماء كمال جنبلاط ستلعنهم، ثم يُقتَل علاء، ثم يُصبح شهيداً لجنبلاط! يستثمر في تشييعه. مَن يُقدم على ذلك إلا مَن يملك «دكتوراه» في الخبث؟ كدنا، نحن الذين في الشوارع منذ اليوم الأول، أن نرى جنبلاط بنفسه بيننا في الساحات! ليته جاء. في لحظة، راح أيضاً يتكلّم عن ثورة ويبالغ في مدحها. هذا لم يستقل، هذا أقيل، هذا سقط بسقوط الحكومة، ومع ذلك يُريد ركوب الموجة. يصعب إيجاد كلمات تصف بارون الفساد الأعظم، في هذه الأيّام، إذ يُريد التحوّل لثائر ضدّ الفساد. هذا الذي لطالما لعب على وتر الخوف العميق لما يُسمّى «جماعته». لو نزل إلى ساحات بيروت، لقرأ اسمه مكتوباً بمختلف ألفاظ السخرية والقدح والذم والتحقير. هذا «لاهط» صندوق المهجّرين، وصناديق أخرى، على مدى عقود من الزمن، يتصور أنّه يسهل طلسمة ذهن كلّ الناس. لعبه في مسألة قطع الطرقات، لحساباته الشخصيّة، لن ينساه الناس. بالأحرى، عليهم ألا ينسوا ذلك. كان شرّاً على المتظاهرين. لو كان لدينا ثورة، أو ربّما لو تطوّر الأمر يوماً إلى ثورة، فليس على جنبلاط إلا أن يتوقع أن مقصلة (حجم عائلي) تتوق إليه.
يُحاول جعجع ركوب موجة الشارع فيبدو مثل فيروس يغزو خلايا جنين أوشك أن يولد
وسعد الحريري! هذا المضحكة الذي كاد بعض السذّج أن يشفقوا عليه لأنه استقال. حتّى سعد أراد أن يلعبها. اجتماع النقيضين، الساقط عقلاً، يبقى أسهل على العقل مِن اجتماع الحريريّة مع مكافحة الفساد. هي طينة واحدة. هذا، يعني سعد، راح يُحرّك شارعه التائه، على أنّه ضمن الثورة، سعياً لعودته هو إلى رئاسة الحكومة بشروطه. يُريد أن يتدثّر بالشارع. وجع شارعه، إنّ كان لا بدّ للهاء مِن مكان، حقيقي وصادق، كسائر الناس في بلادنا، ولكن أن يلعبها سعد بتلك الطريقة، فهذا ما يجب ألا تنساه ذاكرتنا. كان خائناً لكل الشوارع. عموماً، لو تطوّرت الأمور أكثر، فليس على الحريري إلا أن يقلق، ولا بأس بأن ينبهه أحد لضرورة نقل ممتلكاته الثمينة مِن وادي أبو جميل إلى مكان آخر، على غرار ما فعل جنبلاط إذ نقل بعض كنوزه مِن كليمنصو إلى المختارة. عموماً، لماذا لا ينزل كلّ هؤلاء «الثوار» إلى الساحات؟ مثلاً، ساحات وسط بيروت تناديهم اليوم، حيث قلب الانتفاضة ومكان انفجارها الأول، تناديهم كضيوف وكزملاء ثورة. ستُقدّم لهم الكثير مِن الهدايا والفول والعرانيس. سيعبّر الناس عن مدى حبّهم العميق تجاههم. الساحة تنتظر. إن كانت الساحات لم تحتمل وجود «اللعّيبة» بولا يعقوبيان، التي لم تكن تُحب أن تكون نائبة قال، هل يظنون أنّها ستحتملهم، وهم روح السُلطة وقلبها وعنوانها؟ يسري هذا على جوقة الإعلاميين وما يُسمى بالمثقفين والنخب، الذي ينشطون على مواقع التواصل الإلكتروني، وليس في بالهم إلا تصفية حساباتهم السياسية القديمة. تلك الحسابات التي عجزوا عن تصفيتها خلال المراحل الماضية، والآن، عندما خرج الناس وجعاً، قرّروا أيضاً ركوب الموجة والرقص على الأوجاع. هؤلاء أيضاً يجب ألا تنسى الساحات أفعالهم هذه الأيام. يجب ألا ننسى تصريحاتهم. ألا يغيب عن بالنا تشويشهم وتشتيتهم وخبثهم. هؤلاء، إن كان لا بدّ مِن وصف لهم، فأعداء الثورة... وأعداء الثورات المنتصرة يُخبرنا التاريخ كيف كانت نهاياتهم. حبّذا لو يكون لدينا ثورة منتصرة!