كل المؤشرات تؤكد أن دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى «إعادة النظر بالواقع الحكومي»، كما الترحيب بها من قبل رئيس الحكومة سعد الحريري، لن يؤديا حتماً إلى تعديل وزاري. مصادر واسعة الاطلاع قالت إن الحريري سمع، مرة جديدة، من عواصم غربية تشديداً على ضرورة عدم حصول فراغ في كل السلطات، وعلى البحث في خطوات اصلاحية اضافية تعيد جزءاً من الثقة بالحكومة الى الشارع. وقالت المصادر ان الحريري ابلغ الرئيسين عون ونبيه بري وقيادة حزب الله استعداده السير في خيار تشكيل حكومة جديدة، لكنه اشترط الاتفاق الكامل عليها قبل اي استقالة، والا فهو لا يمانع تعديلاً وزارياً كبيراً. لكن يبدو ان حزب الله، والتيار الوطني الحر يرفضان أي تعديل يستهدف الوزير جبران باسيل. إسقاط باسيل، فضلاً عن كونه مطلباً للشارع، هو البند الاول على لائحة مطالب جميع معارضيه من القوى السياسية، كما في قيادة الجيش التي رفضت التدخل لفتح الطرقات، والحرص على استمرار الحراك الشعبي، تمهيداً ليكون باسيل ضحيته.
(هيثم الموسوي)

واتسعت دائرة الانتقادات في محيط الرؤساء الثلاثة لقيادة الجيش، لكونهم كانوا ينتظرون منها خطوات «اكثر فعالية في فتح الطرقات والمساعدة على فتح المؤسسات العامة والخاصة». لكن مصادر قريبة من قائد الجيش العماد جوزيف عون تؤكد أن الحكومة لم تبلغه بأي قرار واضح بعد بشأن فتح الطرقات، وأنه مكلف حماية المؤسسات العامة وحماية المتظاهرين ايضا. أضافت المصادر ان الجيش «مستعد لتنفيذ ما تطلبه السلطة السياسية، علماً بأنه يعمل من اجل فتح الطرق من دون مواجهات مع المتظاهرين».
ومع إقفال ملف التعديل الوزاري، وقبله ملف استقالة الحكومة، التي لا تتحقق دستورياً إلا باستقالة ستة أعضاء من مجلس الوزراء أو باستقالة رئيس الحكومة، انتقل حزب الله إلى الشارع، تحت عنوانين: فتح الطرقات، وإيجاد توازن مع القوى السياسية المعادية له التي تسعى إلى ركوب موجة الحراك الشعبي. أول إشارة على ذلك صدرت من النبطية، قبل أن تستكمل أمس في ساحتي رياض الصلح والشهداء، حيث شهدت الساحتان إشكالات عديدة، بعد نزول مجموعات محسوبة على حزب الله إلى التظاهرة، عبّرت عن رفضها لاتهام الحزب بالمشاركة في الفساد، ورفضاً لشتم السيد حسن نصر الله.
مصادر فريق 8 آذار رأت أنه صارت لدى الحزب قناعة بأن «الساعين إلى خطف حراك اللبنانيين، لاسيما القوات وعدد من السفارات والتلفزيونات الممولة منها، إنما هدفه إسقاط العهد وإرباك الحزب على السواء، من خلال التركيز على مطلب إسقاط الحكومة، الذي يقود حكماً إلى المطالبة بسقوط العهد. فالجميع يدرك أن استقالة الحكومة ستقود إلى عدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة، وبالتالي الوقوع في الفراغ. والفراغ مرفقاً، باحتجاجات في الشارع، سيؤدي إلى تدهور الوضع الاقتصادي، واحتمال انهيار الليرة، ما ستكون نتيجته نقل البلاد إلى حالة من التوترات الأمنية التي تنفجر في وجه الحزب ورئاسة الجمهورية».
اتسعت دائرة الانتقادات في محيط الرؤساء الثلاثة لأداء قيادة الجيش


لكن كيف سيتعامل «حزب الله» مع الموقف الراهن في ظل قراءته تلك؟ تجيب المصادر بأن الحزب «لا يريد مواجهة المتظاهرين. واجرت قيادة الحزب مراجعة لما جرى في النبطية أول من امس، وخلصت إلى أنه كان خطأ في التنفيذ لقرار فتح الطريق». وتجدر الإشارة إلى أن يوم أمس شهد جولات من الاشتباكات التي عملت قوات مكافحة الشغب على فضها. وبقي التوتر على حاله لساعات، علماً بأن حضور أنصار الحزب «يُتوقع أن يتكثف في الأيام المقبلة، بالتزامن مع تحركات عونية في أكثر من منطقة».
مع ذلك، حافظت قيادات الحزب نظرياً على تأييد الحراك، فأشار الوزير محمود قماطي لـ«أل بي سي آي» إلى «أننا نعتبر هذا الحراك وطنياً يعبّر عن وجع الناس ولا تحرّكه أي سفارة في العالم ولكن عليه أن يبلور مطالبه». كما أكد النائب حسن فضل الله أن ما حققه المتظاهرون في أيام تاريخي، ولن يكون بإمكان السلطة تجاوزه.
ماذا بعد؟ المواقف المعلنة لا تزال حتى اليوم مصرة على وجوب حماية المتظاهرين وعدم التعرض لهم، لكن هذا القرار سيكون مقروناً بالتركيز على منع حرف وجهة التحركات من تحركات مطلبية إلى مواجهة مع العهد وحزب الله. أما عملياً، فقد حسم الحزب قراره بضرورة فتح الطرقات، حيث يتوقع أن يتم التواصل مع الجيش للقيام بذلك، لكن لم يعرف كيف سيتصرّف الحزب في حال استمر الجيش في قرار ترك الخيار للمتظاهرين.

عون يريد محاورة المتظاهرين
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون قد اعتبر في خطاب متلفز توجه فيه إلى المعتصمين أنه «لأن الاصلاح هو عمل سياسي بامتياز، أصبح من الضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي كي تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعا من خلال الاصول الدستورية المعمول بها». وإذ أشار إلى أن «حرية التعبير هي حق محترم ومحفوظ للجميع»، قال إن «حرية التنقل هي حق لكل المواطنين ويجب أن تُحترم وتؤمّن». ودعا الجميع لأن يكونوا «المراقبين لتنفيذ الاصلاحات، والساحات مفتوحة دائما أمامكم، في حال حصل أي تأخير او مماطلة. وأنا من موقعي، سأكون الضمانة وسأصارحكم بكل ما يحصل. وسأبذل جهدي لتحقيق الاصلاح».
ورداً على الدعوات لإسقاط النظام، قال إن «النظام لا يتغير في الساحات». وأضاف: «صحيح أن نظامنا بات بحاجة إلى تطوير، لأنه مشلول منذ سنوات وهو عاجز عن تطوير نفسه، ولكن هذا الامر لا يحصل إلا من خلال المؤسسات الدستورية». كما اعتبر أنه «حان الوقت لتغيير النموذج الاقتصادي ليصبح منتجاً ويخلق فرص عمل». وخلص رئيس الجمهورية إلى إبداء استعداده لفتح حوار مع ممثلين عن المتظاهرين للنقاش في كيفية تحقيق أهدافهم من دون التسبب بالانهيار والفوضى». وقد لاقى خطاب عون ترحيباً من رئيس الحكومة الذي اتصل به مرحّباً بدعوته إلى ضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي.
كذلك لاقى خطاب عون ترحيباً من بكركي، فأثنى البطريرك بشارة الراعي، في بيان صادر عن المكتب الإعلامي في بكركي، على دعوته لفتح حوار بناء مع المتظاهرين. كما أيد «ضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي من خلال الأصول الدستورية المعمول بها». وفي هذا السياق، شدّد الراعي على أن «المطلوب اليوم هو حكومة مصغّرة حيادية كفوءة تنقذ لبنان وتولد الثقة لدى المواطنين»، لافتاً إلى أن «الحركة الشعبية ومطالبها المحقة بدأت تعطي ثمارها». وفي سياق مناقشة الأحداث المستمرة في لبنان، استقبل الحريري، أمس، في بيت الوسط، سفراء دول الاتحاد الأوروبي في لبنان تقدمهم سفير الاتحاد في لبنان رالف طراف.