في وقت الأزمات الكبرى، كالتي يعيشها لبنان حالياً منذ أكثر من سبعة أيام، يتسمّر الناس أمام أجهزة التلفزيون، متنقلين من قناة إلى أخرى لتقفّي ما يحصل في الشارع. نتحدث في الوقت الحالي، عن فتح الهوء لأكثر من 16 ساعة أقله على ثلاث قنوات رئيسية في لبنان أو الأكثر متابعة (mtv، «الجديد»، وlbci) على مدى أكثر من أسبوع، مع كمّ هائل من المضامين، والرسائل، وتنفيذ الأجندات التي تتغير بفعل الحدث السياسي المرافق في البلاد. نظرياً، جرى الترويج، للعلاقة الجدلية ما بين الإعلام التقليدي والحديث، واتكاء الشاشات على عوالم السوشال ميديا، لنهل المعلومات. ما يحدث حالياً مع موجة الحراك الشعبي الذي امتدّ على جميع المناطق اللبنانية، هو لعبة مختلفة، تنسف هذه العلاقة ما بين العالمين، ومن شأن نتائجها أن ترعب بالفعل مالكي هذه الشاشات. فقد أضحت المنصات التفاعلية، مركزاً له ثقله في اللعبة السياسية والشعبية الدائرة حول الحدث الأساسي: الحراك الشعبي. صحيح أن معظم اللبنانيين ما زالوا أسرى الشاشات وما تنتجه من مضامين، لكن هناك في المقابل، لا سيما عند الجيل الشاب، أدوات استخدمت تعرّي السلطة من جهة، والقنوات التلفزيونية من جهة أخرى. لا يخفى على أحد أنّ وعياً تظهّر من خلال هذه التظاهرات، التي خرجت عن طاعة أحزابها ونزلت إلى الشارع تئن من الجوع والعوز والبطالة. هذا الأمر أسهم إلى حدّ كبير في غياب الانقسام الشعبي الحاد الذي ظهر في سنوات ماضية، لا سيما بعيد اغتيال رفيق الحريري عام 2005. هذه المرة، الأحزاب منقسمة، وجماهيرها تتسرب إلى الساحات، لما وصل إليه الغضب من مستوى لا يطاق. أسهمت هذه الظاهرة، في تركيز رواد السوشال ميديا على عملية الفضح، وعلى بثّ التحشيد. ليس غريباً أن تبدأ التظاهرات من شرارة ضريبة «الواتساب»، وتنتشر وتصبح بهذا الدفق الشعبي، جراء استخدام هذا التطبيق أيضاً، الذي ما زال الوسيلة الأنجع للمحتجين للتجمع ولمعرفة نقاط التظاهرات. وعلى تويتر التطبيق الثاني الأكثر أهمية بعد «واتساب»، مساحة واسعة شاسعة للهاشتاغات والتلاقي والفضح. شاهدنا في اليوم الثاني للاحتجاجات، صورة نشرت بقوة على السوشال ميديا تظهر مجموعة شبان مقيدي الأيدي على الأرض في مشهد مستفز ومدان. الصورة شكلت دافعاً أكبر للمحتجين لفضح ممارسات السلطة الأمنية، فأثرها الأكبر خلّف محاولة لتزويرها وتصويرها على أنها تعود إلى سنوات خلت. لكن سرعان ما تكشف هذا التزوير، وعمل على فضحه، لتضطر السلطة بعدها للتراجع عن أعمال القمع، وإطلاق سراح معظم المعتقلين. الشبكات الاجتماعية أيضاً، كان لها دور في فضح الإعلام وأجنداته المتغيرة مع الحدث ومواقف الأطراف السياسية الممولة للقنوات. على شاشة lbci أول من أمس، ظهر سامي الجميل بين الحشود في «جل الديب» وبان كـ «مناضل» نزل إلى صفوف الجماهير. لم نسمع على هذه الشاشة وسواها وابل الغضب الذي صبّ على النائب «الكتائبي»، من قبل المحتجين. حتى إننا لم نشاهد كيف أغرقه هؤلاء بمياه عبواتهم وأخرجوه من الساحة عنوة. هذه الحادثة انتشرت كفيديو على السوشال ميديا، وظهّرت التناقض التام ما بين الأرض وأجندة الشاشات. لا شك في أننا من خلال الحراك الشعبي الحالي، نتجه إلى إسقاط نظرية جديدة، تكرّس سلطة المنصات الافتراضية بقوة، وترعب أصحاب المحطات الذين يعملون مع كل فضيحة يتلقونها على «ترقيع» الحدث، كما حصل في تغطية «مصرف لبنان» وانتقاد «الجديد» على تغييب نفسها بشكل كبير عنها!