لم يستطع رئيس لجنة الاتصالات حسين الحاج حسن أن يكبت غضبه لفترة طويلة. في ذروة النقاش، في جلسة اللجنة أمس، لم يجد أمامه سوى المتظاهر أحمد عفارة الذي شغل الناس وعبّر عن وجع الأغلبية منهم. كيف يمكن هدر ما بين 150 و200 مليون دولار في قطاع الاتصالات وحده، فيما عفارة وغيره كثر يخسرون حقهم في العيش الكريم، نتيجة ظلم السلطة وفسادها؟المشهدان كانا متناقضين إلى الحد الذي جعل الحاج حسن ينفعل، ثم يعتذر، أثناء مداخلته التي استحضر فيها عفارة والمعاناة التي عبّرت عن وجع كل اللبنانيين.
نواب كتلة المستقبل كانوا في واد آخر. هؤلاء قرروا، أمس، بدء الهجوم المعاكس، أو بشكل أدق، بدء حملة الدفاع عن النفس، استباقاً لتشكيل لجنة التحقيق البرلمانية. قبل ذلك لم يكن أحد قادراً على تكذيب الملفات - الفضائح، التي كان بطلها تحديداً الوزير السابق للاتصالات جمال الجراح، على ما تبين لأعضاء اللجنة، ومنهم النائبة رولا الطبش. مع ذلك، كانت الطبش، أمس، على غير عادتها، متأهبة لـ«المشكل». دخلت متأخرة، ثم سرعان ما دعت إلى عدم الابتعاد عن المنهجية المتّبعة في عمل اللجنة. كان ذلك قبل أن تتبين أن النقاش لم يحد عما سبق أن تقرر. جلسة أمس كانت مخصصة لمناقشة تقرير «ألفا». وهو ما حصل منذ البداية إلى النهاية. هجوم الطبش لم يأت من فراغ. زميلها هادي حبيش حضر أمس على غير عادته، وكان له مداخلاته التي سعى من خلالها إلى تخفيف اندفاعة اللجنة، التي تمكن فريق 8 آذار من فرض إيقاعه عليها في الجلسات السابقة، حتى بدا المستقبليون أشبه بالضيوف. إما يغضّون الطرف عن اتهامات لها ما يثبتها، أو يدافعون بما أوتوا من حجج، لا تكفي لتبرير ما يتم كشفه. مقرر اللجنة طارق المرعبي دافع عن فريقه قدر المستطاع، لكن بهدوئه المعهود.
هل هي كلمة السر التي أيقظت المستقبل في لجنة الاتصالات، أم أنها مبادرات فردية أسبابها مناطقية أو شخصية؟ ليست الإجابة مهمة، لكن الأكيد أن المستقبل سيضطر في الفترة المقبلة إلى تحمّل الكثير من الوقائع التي ستظهر أمام لجنة التحقيق النيابية، المفترض تشكيلها. حبيش حاول الدخول من الباب التقني. ركزّ على الخدمات المضافة (VAS)، شارحاً ألف بائها: أي شركة تملك فكرة خدمة عبر الهاتف الخلوي يمكنها أن تطرحها على الشركة المشغّلة، إما ترحب بها أو ترفضها، على أن يتم بعدها الاتفاق على توزيع نسب الأرباح. هذا أمر منطقي، لكن ليس في لبنان. لماذا في سنوات خلت، كانت الأرباح توزّع مناصفة بين الدولة والشركات، ولماذا مالت الكفة، لاحقاً، باتجاه شركات الخدمات المضافة، التي يصدف أن الأغلبية الساحقة منها تعود لثلاثة مستثمرين حققوا أرباحاً طائلة على حساب المال العام. هل الأفكار كلها محصورة بهم؟ ثم، هل من فكرة طرحت ليست معروفة في القطاع؟ قد لا يكون من الضروري إجراء مناقصات (كما يطالب البعض) لتقديم هذه الخدمة أو تلك، لكن على الأقل يفترض اتباع النمط العالمي، الذي يعطي المستثمر نسبة 20 إلى 30 في المئة، فيما تحصل الدولة على 70 إلى 80 في المئة. تلك واحدة من توصيات لجنة الاتصالات التي سيكون صعباً تخطيها. لكن قبل ذلك، على من يدافع عن الشركات أن يدرك أن النسبة كانت مقلوبة في لبنان، وتحديداً في شركة «تاتش»، على ما بينت الوثائق التي كشفت في اللجنة.
جبهة «المستقبل» كان ينقصها وزير الاتصالات الغائب للمرة الثالثة على التوالي. رئيس اللجنة اكتفى أيضاً بالإشارة إلى أن غيابه غير مقبول. لكن بحسب المعلومات فإن الأمر صار بعهدة رئيس المجلس. النظام الداخلي لمجلس النواب لا يتعامل مع غياب وزير عن اجتماع اللجنة على أنه أمر عادي. المواد من 31 إلى 33، تنص على أن الوزير ملزم بالحضور إذا قررت اللجنة ذلك، شرط أن يدعوه رئيسها قبل ثلاثة أيام. لا إشارة في النظام إلى أنه يمكن للوزير أن يتغيب من دون عذر. وأكثر من ذلك هو ملزم بإجابة طلب اللجنة تزويدها بأي مستندات تريد الاطلاع عليها. إذا رفض وجب نقل المسألة إلى رئيس المجلس الذي يعرض الموضوع على الهيئة العامة في أول جلسة ويعطيه الأولوية على سائر الأعمال.
شقير يغيب عن لجنة الاتصالات للمرة الثالثة


ماذا سيقول تيار المستقبل عندها؟ هل حجة وجود النائب جميل السيد في اللجنة هي حجة منطقية لتخطي السلطة الرقابية التي يمثلها المجلس النيابي؟ لماذا إذاً لا يقاطع وزير الاتصالات الجلسات العامة أيضاً؟
السيد حاضر في الجلسات بعكس وزير الاتصالات. وهو سأل أمس المدير العام لـ«ألفا» مروان حايك عن حقيقة إقالته من منصبه ثم تجميد القرار. الأخير أكد الأمر، فيما صار واضحاً للنواب أن الوزير جبران باسيل كان خلف تجميد القرار. بين النواب من يؤكد أيضاً أنه ليس مقبولاً أن تتزامن هذه الخطوة مع الحملة التي تواجه الفساد في قطاع الاتصال، بما يعطي انطباعاً بأن حايك هو المسؤول عن كل الموبقات. هؤلاء أنفسهم يجزمون أن انزعاج شقير من حايك يعود إلى عدم تلبيته عدداً من مطالبه، ومنها على سبيل المثال خدمة «الرومينغ» التي كان وزير الاتصالات يصر على إعطائها لشركة خاصة مقابل حصة تبلغ فقط 24 في المئة للدولة.
اللافت أن حايك قال أمس ما لم يقله سابقاً. لم يعد يستطيع مسايرة هذا الوزير أو ذاك فيما السهام توجه إليه. قال، رداً على سؤال، إن الوزير السابق طلب منه استئجار مبنى للشركة كما فعل مع «تاتش». قال أيضاً إن الجراح كان يرسل مطالبه خطياً، بعكس شقير الذي يطلب شفهياً.
في الجلسة وزع الحاج حسن كتيباً كاملاً عن «ألفا» وأعمالها، متضمناً عدداً من الأسئلة التي يتوجب عليه الإجابة عليها، في الجلسة المقبلة. على سبيل المثال، تبين أن ألفا اشترت 500 جهاز لتطوير خدمات الجيل الرابع في عامي 2018 و2019، وضع منها حتى اليوم 177 جهازاً على محطات الارسال، فيما يبقى منها 323 جهازا في المستودعات قيمتها 40 مليون دولار. وكان السؤال المحوري، هل كانت «ألفا» تريد أن تشتري مئة فقط، كما سبق وطالبت، ولماذا تغير العدد إلى 500؟ هل كان ذلك بطلب من الوزير أم بقرار ذاتي؟