«يُطلب من جميع الأعضاء وقف الدين من دون ضمانات شخصية أو عينية». يقول الإعلان المُلصق عند مدخل سوق الخضار في سنّ الفيل، مُشيراً إلى جملة من الإجراءات التي حدّدتها «الجمعية التعاونية التنظيمية لبائعي الخضار بالجملة في سن الفيل»، وذلك «نظراً للأوضاع السائدة وما حصل من بعض الزبائن بتوقيف الدفع (...)».ملامح التجار، كما الإعلان، تُنبئ بوجود خطب ما في السوق الذي يضمّ 85 محلاً لبيع الخضار بالجملة، ويُعدّ مقصداً لكبار التجار من أصحاب التعاونيات الغذائية والمطاعم والمحلّات في المنطقة وجوارها.
بعض تجار السوق يتحدثون عن أن الأوضاع الاقتصادية المُتعثّرة أدّت إلى تأخر بعض كبار الزبائن في دفع المُستحقّات، وأشاروا إلى «مفاوضات» تجري مع هؤلاء لحثّهم على تقسيط ما عليهم. إلا أن ما لم يقله هؤلاء علناً، قالوه في «الخفاء»، وهو أن عدداً من كبار التجار «المعروفين» استغلّوا الأوضاع الاقتصادية الراهنة واضطرار الباعة إلى تصريف إنتاجهم، فاشتروا البضائع بالدّين، والآن يتهرّبون من الدفع. وتُفيد معلومات «الأخبار» بأن ثلاثة تجار بارزين «قادوا» عملية الدين الممنهجة في السوق، التي طاولت أكثر من نصف التجار، وهم أنفسهم نفذوا «عملية مماثلة» مع بائعي سوق الخضار في المدينة الرياضية. أحد التجار الثلاثة سوري الجنسية، وهو الاسم الوحيد من بين المتهرّبين الذي صرّح عنه الباعة، فيما تكتموا عن اسمي تاجرين لبنانيين. وأشاروا أيضاً إلى تورّط إحدى أهم التعاونيات (السوبر ماركت) «اللي صارت تعمل عروضات على حسابنا».
أصحاب التعاونيات يماطلون في تسديد نحو مليار ليرة من المستحقات


«تعرضنا لعملية نصب واحتيال»، يقول أحد التجار، مشيراً إلى أن أحد الذين يتهرّبون من الدفع حالياً، بدأ ببناء مجمع تجاري ضخم «فكيف لمتعثر بسبب الأوضاع الاقتصادية أن يدخل في استثمار بهذا الحجم؟».
رئيس الجمعية إيلي معلوف، شدّد لـ«الأخبار» على أن المسؤولية تقع على عاتق تجار السوق لعدم أخذهم ضمانات لدى تعاملهم مع الشارين، مشيراً إلى أن تراجع وضع السوق سببه الأساسي الوضع الاقتصادي الذي دفع تجاره إلى تصريف بضاعتهم بالدين. ولفت إلى أنّ الجمعية أصدرت إعلاناً نبّهت فيه إلى ضرورة «الحصول على توقيع الشاري على كل فاتورة تُباع بالدين». وفيما قال إنّ الجمعية تقدمت بشكوى لدى النيابة العامة ضد كل من أوقف عن عمد عدم سداد المبالغ المستحقة عليه، اتهم المتضررين بـ«التقاعس وعدم التجاوب لخوض معركة أمام القضاء»، إلا أنه استطرد بأن «غياب الثقة بالمحاكم يؤدي إلى تفضيل البائعين عدم اللجوء إلى القضاء بسبب الوقت الطويل الذي تستغرقه المحاكمات، وهو ما يعرفه المدينون جيداً».
بعض تجّار السوق يتساءلون، من جهتهم، عن سبب عدم أخذ «الريس» معلوف نفسه ضمانات من التجار الذين وقع هو أيضاً ضحيتهم، ويشير أحدهم إلى أنّ «آلية البيع في السوق منذ افتتاحه عام 1982 تجري بهذه الطريقة (...) ومصلحتنا محكومة بالثقة»، متسائلاً: «هل يمكن أن أطلب من صاحب سوبرماركت معروف ضمانة؟ لا أحد منا كان يتخيّل أن نصل إلى هنا. كنا نشكو من التأخير في الدفع، وكنا نصبر بسبب الضائقة الاقتصادية. لكننا لم نظن يوماً أن هذا التأخير قد يكون متعمداً من البعض».
ماذا عن المزارعين؟ يؤكد معلوف والتجار أن لا تأثير للأزمة على المزارعين، «لأن حقهم مضمون، والبائع سيسدد في نهاية المطاف المترتبات عليه»، وهو ما لا يوافق عليه رئيس جمعية المزارعين اللبنانين أنطوان الحويك «لأن تجار السوق يشترون أيضاً البضاعة من المزارعين بالدين نتيجة حاجة هؤلاء إلى تصريف مزروعاتهم. وعدم حصول الباعة على مستحقاتهم من التجار، سينعكس بالتأكيد عدم حصول المزارعين على مستحقاتهم أيضاً». ويلفت إلى أن المزارعين لطالما كان مطلبهم الحصول على ضمانات من الباعة، «وتواصلنا منذ عام 2003 مع مختلف الوزارات المعنية (المالية والزراعة والاقتصاد) لاستصدار أوراق ومستندات تحمل ختم وزارة المالية تكون معتمدة في آلية الشراء بين المزارع والبائع من جهة، وبين البائع والتاجر من جهة أخرى». لكنّ هذه المساعي كانت تفشل نتيجة ضغط بعض الباعة الذين كانوا يستفيدون من غياب الآلية «الرسمية» ويحققون ربحاً على حساب المزارع. بهذا المعنى، فإن هؤلاء وقعوا، هذه المرة، ضحية غياب الآلية الرسمية للبيع والشراء.