من المنتظر أن تؤثر نتائج انتخابات أعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى المقبلة (تعقد في 10 تشرين الأول)، على الخريطة الجديدة لدور الإفتاء في المناطق. معادلة «من يملك مرجعية المجلس الشرعي، يملك قرار المناطق»، تثبت فعاليتها عند كل انتخابات، بعد طغيان نفوذ تيار المستقبل على عائشة بكار. ذلك النفوذ فرض معركة شرسة قبل أربع سنوات على صعيد انتخابات المجلس وما تلاها من تعيينات لمفتي المناطق ورؤساء مجالس أوقاف المناطق وما سبقها من تعيين لأعضاء مجالس الأوقاف. لكن المعركة التي انتصر فيها التيار على مفتي الجمهورية السابق الشيخ محمد قباني، استُبدلت بها أخيراً معارك صغيرة داخل البيت الواحد، أو مع جيرانه.في صيدا، لم يخطر في بال مؤيدي الشيخ سليم سوسان أن تؤول كرسي مفتي صيدا وأقضيتها إلى سواه بعد 12 عاماً من جمعه بين مركزي المفتي ورئيس دائرة الأوقاف. الرجل الأقرب إلى آل الحريري منذ عمله في مطبعة المصحف في السعودية، لم يعد كذلك أخيراً. مواقف ومناسبات عدة عكست تهميشاً وفتوراً من قبل مجدليون (مقر النائبة بهية الحريري). ينقل مقربون من سوسان أنه «رفض طلبات عدة من النائبة بهية الحريري لتخصيص عقارات تابعة للأوقاف لأجل مشاريع عامة وخاصة، فضلاً عن تباين في مواقف سياسية عدة اتخذها الشيخ المعروف بحنكته وعلاقاته الإيجابية مع مختلف الأفرقاء في المدينة». مصادر مواكبة لملف الإفتاء قالت إن الحريري «توافقت مع الرئيس فؤاد السنيورة على عدم التجديد لسوسان كمفتٍ بالتكليف السنوي (ينتهي التكليف في تموز المقبل) وكرئيس لدائرة الأوقاف بالتعاقد السنوي (ينتهي التعاقد نهاية العام الجاري)». علماً بأن مجلس الأوقاف الحالي الذي عينه سوسان في الثامن من تموز الفائت، بالتشاور مع «المستقبل» كما جرت العادة، أنتج مجلساً من 11 عضواً أزرق، بعد استبعاد ممثل الجماعة الإسلامية في المجلس السابق. فضلاً عن أنه لا يمكنه الترشح لأيّ انتخابات جديدة، لأنه تخطى السن القانونية للمفتي (سن تقاعد مفتي المنطقة 70 عاماً). في مكتبه في دار الإفتاء في صيدا، لا يتأثر سوسان بالشائعات التي تضجّ من حوله. نسأله عمّا إن كان يدفع ثمن حفاظه على أوقاف المسلمين، يضحك، ثم يتمالك نفسه ليقول: «أنا هنا باقٍ باقٍ باقٍ». لكن سوسان «الباقي» سجلت له عبارة مازح بها مفتي صور ومنطقتها الشيخ مدرار الحبال في أحد الاحتفالات الصيداوية أمام الجموع، قائلاً: «تعال اجلس في مقعدي. فأنت ستجلس مكاني أولاً وأخيراً».
ليس خافياً أن إمام مسجد الشهداء في صيدا، المعيَّن مفتياً لصور منذ 2011، يُعَدّ من أبرز المرشحين لخلافة سوسان. الهيئة الناخبة في صيدا مؤلفة من 57 منتخباً، غالبيتهم يوالون مجدليون. القرار السياسي الأزرق سيحدد مهمة هؤلاء: تزكية مفتٍ أو انتخابه، على أن يتولى المفتي الجديد تعيين رئيس لدائرة الأوقاف بالتشاور مع مفتي الجمهورية. تشير المصادر إلى أن الحريري «اقترحت انتخاب الحبال مفتياً أصيلاً لصيدا ومكلفاً لصور، فيما لم تحسم خيارها في ما خصّ رئيس دائرة الأوقاف. وتردد أن من أبرز المرشحين راشد الخليلي». لا يمانع السنيورة خيار الحبال في صيدا، وفق المصادر. أولويته رئيس الأوقاف الذي ستتقاطع مهماته مع مشاريع السنيورة العامة والخاصة ومخططات الضمّ والفرز. اقترح الأخير ترشيح الشيخ طارق معتوق رئيساً للأوقاف. في حديث لـ«الأخبار»، قال الحبال إنه «سمع بأمر ترشيحه من وسائل التواصل الاجتماعي»، مشيراً إلى أن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لم يحسم حتى الآن موعد إجراء انتخابات المفتين، إذ ينقل عنه أن الأمر «حسب أوضاع البلد والقرار السياسي».
يُحكى عن تصفية حسابات بين «المستقبل» و«الجماعة» لنيل مكاسب في إفتاء صيدا


لا يستطيع الحبال التركيز على منازلة صيدا. إذ يواجه في ملعبه الحالي منازلة عنيفة من أصحاب الأرض على خلفية المجلس الإداري للأوقاف، الذي عينه الشهر الماضي. وبرغم أنه لم يستبدل سوى عضوين اثنين من أصل 12 عضواً في المجلس، لكن هذا التبديل الطفيف كان كفيلاً بفتح جبهة هجوم عليه من عدد من أبناء القرى السنية الحدودية في قضاء صور. اتهامات بالإقصاء والتهميش والفساد كالها المهاجمون للشيخ الصيداوي. أحد وجهاء العشائر العربية في قرى الشعب، بدر عبيد، قال لـ«الأخبار» إن الحبال «لم يأخذ برأي فعاليات المنطقة عند تعيينه مجلس الأوقاف. حتى إن بعض المعينين لم يعلموا مسبقاً بأمر تعيينهم، فيما قيود أحد المعينين مسجلة في صيدا، لا في دوائر سجلات صور». بعد يومين على تعيين المجلس، زار عبيد مع وفد من المنطقة دريان لطرح الأزمة. بدوره، كلف دريان شيخاً للتنسيق بينهم وبين مفتيهم. عبيد رفض الإفصاح عن سير المفاوضات التي تجري بين الطرفين. يرى البعض أن الخلاف على المجلس ليس سوى شرارة أشعلت القلوب «المليانة» من تعيين مفتٍ للمنطقة من غير أبنائها. «الأمر الطبيعي أن يكون مفتي المنطقة من أبناء المنطقة أو يحوز موافقة أهل المنطقة»، يقول عبيد، مقرّاً بمحدودية الخيارات العائدة إلى قلة عدد المشايخ في قضاء تبلغ هيئته الناخبة 16 شخصاً. مصادر من داخل المنطقة تجزم بـ«استحالة اختيار مفتٍ من سُنّة صور. الشيخان البارزان، أحمد عبيد ابن مروحين وناجي سويد ابن الضهيرة، محسوبان على الجماعة الإسلامية، لا على المستقبل». من جهته، يكتفي الحبال بنسب الاعتراضات إلى أسباب شخصية لأصحابها. أما مصادر معنية، فتنسب الاعتراضات الصورية إلى «تصفية حسابات بين المستقبل والجماعة وأطراف أخرى لنيل مكاسب في إفتاء صيدا».