بشكل مفاجئ، ومريب، قرّرت وزارة الخزانة الأميركية وضع «جمّال ترست بنك» والشركات التابعة له («ترست للتأمين» و«ترست للتأمين على الحياة» و«ترست لخدمات التأمين») على لائحة الإرهاب التي يصدرها مكتب مراقبة الأصول الخارجية المعروفة باسم «أوفاك». واتهمت المصرف بتوفير خدمات مالية ومصرفية لمؤسسات يملكها حزب الله مدرجة على لائحة الإرهاب مثل «القرض الحسن» و«مؤسسة الشهيد» و«المجلس التنفيذي للحزب».الخبر تسرّب إلى مصرف لبنان قبل صدور تقرير وزارة الخزانة الأميركية. وبحسب المعطيات، فإن رئيس مجلس النواب نبيه برّي تبلّغ الأمر من حاكم المصرف رياض سلامة قبل ساعات من إصدار وزارة الخزانة القرار في العاشرة مساء بتوقيت بيروت. وجاء في القرار أن «المؤسسات الفاسدة مثل جمال ترست بنك تشكّل تهديداً لصدقية القطاع المالي في لبنان. جمال ترست بنك قدّم الدعم والخدمات للمجلس التنفيذي لحزب الله ومؤسسة الشهيد، وموّل عائلات المفجرين الانتحاريين». وأضافت الوزارة إنها ستواصل العمل مع مصرف لبنان لمنع حزب الله من الولوج إلى النظام المالي العالمي، و«هذه الخطوة بمثابة تحذير لكل من يقدّم خدمات للمجموعات الإرهابية».
بيان الخزانة الأميركية أشار إلى أن إدراج «جمال ترست بنك» على لائحة «أوفاك» يسلط الضوء «على مواصلة حزب الله تقديم مصالحه على حساب اللبنانيين والاقتصاد اللبناني. نأسف أن يكون حزب الله سبباً للضائقة التي يعيشها المجتمع الشيعي، وندعو الحكومة اللبنانية إلى بذل الجهد للتخفيف من الأثر اللاحق بالأبرياء من أصحاب الحسابات الذين لم يعلموا بأن حزب الله وضع مدخراتهم في خطر».
وزعم البيان أن المصرف «ساعد ورعى أو وفّر الحدمات المالية والمادية والدعم التكنولوجي أو التمويل أو أي خدمات أخرى لحزب الله. وبعلمه، قام بتسهيل النشاط المصرفي لمؤسسات تابعة لحزب الله. حزب الله، استعمل الحسابات المصرفية في جمال ترست بنك ليدفع أموالاً للعاملين لديه ولعائلاتهم، والمصرف أخفى هذه العلاقة مع العديد من مالكي مؤسسة الشهيد ومؤسسات تابعة لها منذ منتصف عام 2000 على الأقل، وعضو حزب الله النائب أمين شري ينسق النشاطات المالية الخاصة بالحزب مع المصرف».
البيان «السياسي» لوزارة الخزانة يثير تساؤلات عدة. فيما تأتي الخطوة في سياق أحداث محلية وإقليمية لا يمكن فصلها عن مسار الضغوط المالية والعسكرية التي تمارسها الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي على لبنان. وهذه المرة تحمل هذه الضغوط توقيعاً واضحاً في استهداف مصرف مملوك من رجل أعمال شيعي ومحسوب بالدرجة الأولى على رئيس مجلس النواب نبيه بري، علماً بأن هذا المصرف هو واحد من أربعة مصارف لبنانية مملوكة من رجال أعمال شيعة.
ومن شأن خطوة كهذه أن تثير بلبلة واسعة في القطاع المصرفي، وتعيد التذكير بما حصل مع البنك اللبناني الكندي عام 2011 يوم وضعته وزارة الخزانة الأميركية على لائحة «أوفاك» وأجبرته على الإغلاق. إذ إن المصرف عندما يدرج على هذه اللائحة لا يعود قادراً على إجراء أي من المعاملات المتصلة بالدولار الأميركي مثل تحويل الأموال من لبنان إلى الخارج وبالعكس، أو فتح اعتمادات للتجار، أو سواها من الأنشطة المصرفية… إذ إن هذا النوع من «العقوبات» يغلق أمام أي مصرف إمكانية للتعامل مع كل المصارف الأجنبية المراسلة ويجبره على العمل بشكل محلي وضيق جداً وبالليرة اللبنانية فقط… بمعنى آخر يصبح المصرف قيد التصفية.
ما يزيد حدّة هذه المشكلة أن الظروف مختلفة قليلاً عما حصل في 2011 مع البنك اللبناني الكندي. يومها بادر المسؤولون في لبنان، بناء على نصائح خارجية، إلى تشجيع دمج «اللبناني الكندي» بمصرف آخر، غير أن هذه الخطوة قد تكون غير محبذة اليوم، بعدما تعرض المصرف الدامج، أي «سوسيتيه جنرال بنك»، لشكوى قضائية في الولايات المتحدة من عائلات القتلى والجرحى الأميركيين في العراق اتهموه فيها بأنه شارك في «الأعمال الإرهابية»، بسبب دمج البنك اللبناني الكندي الذي «ثبت قيامه بنشاطات تمويل وغسل أموال لحساب حزب الله»، ويطالبونه بتعويض مالي، علماً بأن هذه الشكوى لا تزال قيد النظر أمام القضاء الأميركي.
أميركا تزعم أن جمّال بنك قدّم تسهيلات مصرفية لمؤسسة الشهيد وللقرض الحسن


وهذا الاستهداف لـ«مصرف شيعي» ليس الأول من نوعه. إذ سبقته تهديدات واضحة لمصارف أخرى، مثل «فينيسيا بنك» (المملوك من رجال أعمال شيعة ) الذي أضيف اسمه قبل بضعة أسابيع إلى لائحة متصلة بالشكوى المرفوعة من قبل عائلات القتلى والجرحى الأميركيين في العراق. ويتردد أن هناك عشرات من رجال الأعمال الشيعة الذين أضيفوا الى اللائحة المقدمة للقضاء الأميركي إلى جانب «فينيسيا بنك». وفي 2015 أدرج اسم مالك بنك الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قاسم حجيج على لائحة «أوفاك»، ما دفعه إلى الانسحاب من المصرف والتخلّي عن مسؤولياته فيه.
ما حصل مع «جمال ترست بنك» يترك الكثير من التساؤلات في السوق المصرفية حول مصير المودعين والمقترضين، وما هو مصير مالك البنك أنور الجمال. وكيف سيتعامل مصرف لبنان مع هذه القضية؟ وماذا سيكون موقف القوى السياسية من الأمر؟ وهل نفعت كل التحرّكات التي قامت بها جمعية المصارف والنواب الموفدون إلى أميركا في التخفيف من حدّة التعامل مع القطاع المصرفي عند كل مفصل إقليمي ــــ دولي؟
جمعية المصارف أصدرت بياناً مساء أمس، أسفت فيه لإدراج المصرف على لائحة «أوفاك»، وأكدت ثقتها بمصرف لبنان للتعامل مع هذا الأمر، وأن هذا الإجراء «لن يؤثّر على القطاع المصرفي الملتزم بالقواعد العالمية واللبنانية».