كما كان متوقعاً، واصلت اسرائيل بثّ رسائل التهديد الى لبنان، عبر كبار مسؤوليها وصغارهم، بالتزامن مع شبه «تصفير» لانتشار جنودها على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، في محاولة لتفادي ما أمكن من خسائر جراء الرد المرتقب لحزب الله، والذي تقدر القيادة العسكرية الاسرائيلية انه سيستهدف الوحدات العسكرية حصراً.من بين المتزاحمين على اطلاق التهديدات في تل ابيب، برز رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، الذي حذر حزب الله والدولة اللبنانية من «الاخلال بالهدوء». وشدد على ان اسرائيل قادرة على حماية نفسها وعلى «ردّ الصاع صاعين». وتوجه الى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني بالقول: «سمعت تصريحات نصر الله وأقترح عليه الهدوء. أقترح عليه وعلى قاسم سليماني ان انتبها لتصريحاتكما، وأكثر من ذلك لأعمالكما».
وورد في الاعلام العبري (القناة 12) أن فرض تهديدات نصر الله حضورها على جدول اعمال نتنياهو، واضطراره للتعرض لها رغم مرور ايام عليها، مع التشديد على توجيه تهديدات مقابلة، يعني ان اسرائيل تقدر أن حزب الله يعدّ لعملية انتقام قاسية.
تهديدات نتنياهو وغيره من المسؤولين الاسرائيليين تأتي في سياق المعركة التي تقودها اسرائيل في مرحلة ما قبل الرد، والموجّهة الى وعي الطرف الآخر، في سياق محاولة التأثير على قرار الرد ومنع تعاظمه والحد من ايذائه، وذلك عبر التشديد على أن الرد على الردّ سيكون قاسياً، ولن يكون موجهاً الى حزب الله وحسب، بل ايضا الى الدولة اللبنانية.
والواضح ان معركة ما قبل رد حزب الله تختلف - كما يبدو من تعاطي اسرائيل وتصريحاتها وتسريباتها - عن تقديرات معركة ما بعد الرد، والرد الاسرائيلي على الرد الذي سيتحدد بناء على ميزان الكلفة والجدوى، بما يشمل منع التداعيات من الانفلات ضمن ضابطة باتت معلومة ويدركها الجميع: الحرب غير مفيدة للجانبين، وتحديدا للجانب الذي بدأ اسبابها، اي اسرائيل.
مع ذلك، وبعيداً عن التهديدات، نُقلت تقديرات عن مصادر عسكرية اسرائيلية، في صحيفة «اسرائيل اليوم»، تشير الى ان «الجيش الاسرائيلي يتعامل بجدية تامة مع تهديدات نصر الله وينظر اليها بوصفها انذاراً بتنفيذ عملية لحزب الله يمكن ان تأتي عبر اشكال مختلفة». وتضيف المصادر ان «التجربة تفيد ان حزب الله لا يعمد الى تنفيذ ردود فعل سريعة واعتباطية، بل يخطط ويستعد جيداً بعد اختيار الهدف، قبل اخراج عمله الى حيز التنفيذ. والتقدير ان اسرائيل ستواجه فترة غير قصيرة مشبعة بالتوتر على الحدود».
في السياق نفسه، ورد امس في صحيفة «هآرتس» توصيف، يعد معقولاً، للنقطة التي وصلت اليها المواجهة حاليا، والتي لم تنته بطبيعة الحال: تدرك إسرائيل ان نصر الله سيفي بوعده. فحزب الله رسم في الأشهر الأخيرة أيضاً في خطابات نصر الله، خطوطاً حمراً في معركة إسرائيل بين الحروب، وأكد انه سيرد على استهداف عناصره في سوريا وعلى كل محاولة اسرائيلية لمهاجمة الاراضي اللبنانية. الامر الذي يعني، بحسب رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي السابق اللواء يعقوب عميدرور، ان فرصة تنفيذ التهديد (الرد) باتت عالية جدا، خصوصاً أن نصر الله هو من توعد بها. وهو التقدير نفسه لدى الجيش الاسرائيلي، كما يؤكد قائد الفيلق الشمالي السابق اللواء نوعام تيفون، فـ«نحن في الجيش نأخذ تهديداته على محمل الجد بشكل واسع جداً. اذ لدى هذا الشخص عنصر يستمر معه طوال الوقت، وهو الصدق، الامر الذي يخلق لدى الاسرائيليين خوفا (إن توعد). وفي الواقع، عندما يقول إنّه سيرد، ففرضية العمل أنه سيردّ».
التقدير الاسرائيلي بأن الرد سيستهدف الوحدات العسكرية حصراً


ميدانياً، عمدت قيادة الجيش الاسرائيلي الى تفعيل ما يمكن تسميته بـ«تصعيب المهمة» على حزب الله، عبر اجراءات فرضتها على الوحدات العسكرية على طول السياج الحدودي، وفي المنطقة المتاخمة لها، بهدف «عدم خلق اهداف لحزب الله» (القناة 12)، و«تقييد الحركة العسكرية في المنطقة» (الاذاعة العبرية)، اضافة الى «الطلب من المدنيين (المستوطنين) استئناف الحياة على خلفية التقدير بأن الرد سيوجه الى الوحدات العسكرية» (موقع «اسرائيل ديفنس»).
وفي هذا السياق، صدرت توجيهات بمنع عبور المركبات في عدد من المحاور والطرق في الشمال. وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي إنه «في ضوء تقديرات الامن الجاري، تقرر تقييد حركة المركبات العسكرية في عدد من الطرق ولن يسمح لأي آلية عسكرية بالمرور الا بعد اذن مسبق». وأوكلت مهمة المنع الى الشرطة العسكرية التي نصبت حواجز على محاور الطرق الرئيسية في المنطقة الحدودية، واصطحبت معها بلوكات وغرفا متنقلة من الباطون المسلح للجوء اليها لحماية نفسها.
وذكر تقرير «القناة 12» امس انه «منذ الصباح، تركّز الشرطة العسكرية الحواجز في عدة نقاط على طول الحدود، اذ ان هدف الجيش في هذه المرحلة هو تقليص انتشار القوات التي لا يجب ان تكون قرب السياج الحدودي، ومنع قوات اخرى غير ضرورية من ان تكون على السياج، اي عمليا منع حزب الله من انتاج اهداف لاستهدافها، اذ من الواضح ان رد الحزب مقبل في وقت ما، وتحديدا كما هي التقديرات، سيتركز على ضرب اهداف عسكرية».