القرارات الأميركية التي فرضت عقوبات على حزب الله في السنوات الأخيرة، حوَت هدفاً واضحاً هو استهداف المقاومة وبيئتها، وراهَن عليها الخصوم في الداخل والخارج كوسيلة لضربها. لكن ما أعلنه مكتب مراقبة الأصول الأجنبیة التابع لوزارة الخزانة الأميركیة أول من أمس «مُختلف في توقيته وهدفه وما سيتبعه»، وفقَ ما تقول مصادر سياسية على صلة بالإدارة الأميركية، إذ من شأن قرار من درجة وضع نائبين من كتلة «الوفاء للمقاومة» على لائحة العقوبات ومطالبة الدولة اللبنانية بمقاطعتهما، أن يُظهر العنوان الأساسي الذي يرفعه الأميركيون، وهو «توسيع العقوبات لتطاول المؤسسات الرسمية اللبنانية»، ما يُمكن واشنطن من تهديد الدولة التي «إما أن تستجيب للفصل»، وإما أن «تُعدّ نفسها لعقوبات مماثِلة»!في الولايات المُتحدة الأميركية أجواء مُتشددة جداً تجاه لبنان الرسمي «قد تذهَب بنا الى مسارات كارثية» تقول المصادر، إذ إنها اختارت هذا التوقيت بالذات لجملة أسباب لها علاقة أولاً «بفشل المفاوضات حول ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي بوساطة أميركية». فواشنطن تعتبِر أن «هذا الملف أقفِل نتيجة عدم تجاوب الدولة اللبنانية مع الطروحات التي كانت تسعى إلى فرضها مع إسرائيل وفقَ ما تقتضيه مصالِح الأخيرة». وهذا ما دفع «بوزير الطاقة الإسرائيلي الى التلميح منذ أيام الى ضغوط تتعرض لها الدولة من حزب الله لإفشال التفاوض». فليسَ تفصيلاً «أن تذهب الولايات المتحدة الى استهداف مجلس يرأسه نبيه بري فتختار نائبين من كتلة الوفاء للمقاومة، وقد يكون لذلك علاقة بتشدد الحزب وبري في مسألة رفض ترسيم الحدود».
وثانياً، «الوضع الإقتصادي - المالي الخطير التي تعاني منه البلاد». عبرَ هذه النقطة بالذات ينطلق الأميركيون، بحسب المصادر، من اقتناع لديهم بأن «الدولة اللبنانية لا تتصرف بشكل مسؤول، ولا تتخذ إجراءات جدية وفعالة لمنع الإنهيار»، لذا تريد أن تستغلّ ما وصفته المصادر بـ«الانتحار اللبناني وفقَ مصلحتها، إذ لا يضُر الشاة سلخها بعدَ ذبحها». وتضع المصادر، بناءً على جو الإدارة الأميركية، تقرير صندوق النقد الدولي الأخير في سياق الضغط على الدولة اللبنانية التي «ترفض الانفصال عن حزب الله، إذ تؤكد غالبية مكوّناتها أنه يمثل شريحة كبيرة من اللبنانيين، وهو ممثل في الحكومة وله نواب منتخبون من الشعب، لذا أتت الخطوة الثانية التي تدعو الى مقاطعة هؤلاء»، متسائلة: «هل تكون حكومة الرئيس سعد الحريري الهدف المقبل؟».
وفيما أعلن أمس وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن «العقوبات التي فرضتها بلاده على مسؤولين كبار في حزب الله اللبناني هي جزء من جهود أميركا لمواجهة ما وصفه بالنفوذ الفاسد لحزب الله في لبنان»، داعياً حلفاء واشنطن إلى إدراج حزب الله ككل، أي بذراعيه السياسية والعسكرية، كمنظمة إرهابية، قالت المصادر إن «الولايات المتحدة تنتظِر جواباً لبنانياً رسمياً بشأن ما صدر»، فإذا لم يأتِ على خاطرها «ستكون لذلك نتائج سلبية».
لا تزال واشنطن تُصرّ على تحييد المؤسسة العسكرية

ولمّحت المصادر الى بعض منها قد يظهر على شكل «تجميد للمساعدات الأميركية للبنان، والتي أصلاً ستكون موازنتها في العام المقبل ما يعادل نصف الموازنة الحالية». وبحسب المعلومات المؤكدة، فإن الفترة المقبلة ستشهد فرض المزيد من العقوبات على شخصيات لبنانية، منها نواب وربما وزراء في الحكومة. وهي لن تقتصِر على الحزب، بل ستطال حلفاءه! وقد لا تستهدف شخصيات كبيرة، لكن حتماً تلكَ الفاعلة في السياسة والاقتصاد، وهي أسماء موجودة وجاهزة لدى الأميركيين، بانتظار التوقيت المناسب، فيما استبعدت، أقله حتى الآن، المس بالمساعدات للجيش اللبناني، إذ لا تزال واشنطن تُصرّ على تحييد المؤسسة العسكرية.
في هذا الإطار كان للرئيسين ميشال عون ونبيه برّي جواب واضح تعليقاً على القرار، إذ صدر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية بيان اعتبر أن «هذا التدبير الذي يتكرر من حين الى آخر يتناقض مع مواقف أميركية سابقة تؤكد التزام لبنان والقطاع المصرفي فيه بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة تبييض الاموال ومنع استخدامها في اعتداءات إرهابية أو في غيرها من الممارسات التي تعاقب عليها القوانين». وأضاف البيان إن «لبنان اذ يأسف للجوء الولايات المتحدة الأميركية الى هذه الاجراءات، لا سيما لجهة استهداف نائبين منتخبين، سوف يلاحق الموضوع مع السلطات الأميركية المختصة ليبنى على الشيء مقتضاه»، فيما اعتبره رئيس مجلس النواب «اعتداءً على البرلمان و كلّ لبنان». وقال: «باسم المجلس النيابي اللبناني أتساءل: هل أصبحت الديمقراطيّة الأميركيّة تفترض وتفرض الاعتداءات على ديمقراطيّات العالم؟». وتوجّه برّي إلى «الاتحاد البرلماني الدولي لاتخاذ الموقف اللازم من هذا التصرّف اللامعقول»، فيما أشار رئيس الحكومة إلى أن «العقوبات تدل على توجه جديد»، مؤكداً أنها «لن تؤثر على عمل الحكومة، وسنتعامل معه كما نراه مناسباً، وسيصدر عنّا موقف بشأنه». وتعليقاً على هذه المواقف، تطرقت المصادر الى الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية جبران باسيل الى الولايات المتحدة «حيث سيكون التعاطي معها مؤشر على ردود الفعل الأميركية تجاه المسؤولين اللبنانيين في المرحلة المقبلة».