منذ انطلاق جلسات مناقشة الموازنة في لجنة المال والموازنة النيابية، كان الرئيس نبيه بري دائماً جاهزاً لمواجهة أي محاولة لحصارها من قبل السلطة التنفيذية ورئيسها. لذلك، لم يمرّ وصف الرئيس سعد الحريري لأعمال اللجنة بالمسرحية من دون رد من الرئاسة الثانية. كان بري حاسماً في رفض تحويل المجلس النيابي أداةً للبصم. دفاع بري جعل الحريري يتراجع عن موقفه، فيؤكد أهمية ما تُنجزه اللجنة، حتى وصل به الأمر إلى المشاركة في إحدى جلساتها، وهي الخطوة التي فسّرت بأنها بمثابة الاعتذار.حينها ظن كثر أن القاعدة ثُبّتت وأن وجود الكتل نفسها في الحكومة ومجلس النواب لن يكون عائقاً أمام الفصل بين السلطات وأمام حق المجلس في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وبالتالي حقه في تعديل الموازنة، بما لا يخالف القانون، وبما لا يمس بمستوى العجز المقدّر. لكن ما ان شارفت اللجنة على إنجاز عملها (يبقى لها جلسة أخيرة)، حتى لوحظت حركة جدية للوزير جبران باسيل عنوانها مواجهة التعديلات التي أقرّت في اللجنة. كان باسيل مستاءً، تحديداً من التعديلات التي طالت الورقة التي اقترحها في الجلسات الأخيرة لمجلس الوزراء، وأبرزها رسم الـ3 في المئة (خُفّض في الحكومة إلى 2 في المئة) على السلع المستوردة (المادة معلّقة في اللجنة لكن صار مؤكداً تعديلها). لم يكن بإمكان باسيل الضغط على أعضاء لجنة المال، وعلى العونيين منهم، خاصة أن أكثر من 50 نائباً كانوا يشاركون في الجلسات، فانتقل إلى الخطة باء، أي إعداد الأكثرية التي تواجه التعديلات في الهيئة العامة. على المقلب نفسه، وقف الحريري، إذ تبيّن أنه هو أيضاً لم يكن مؤيداً للتعديلات التي تجريها لجنة المال، ودائماً تحت عنوان حماية «الإنجاز» الحكومي. أعضاء كتلة المستقبل عبّروا عن ذلك بوضوح حين نوقشت موازنة وزارة الاتصالات. اعتبر هؤلاء أن أعضاء اللجنة يتعمّدون التضييق على «وزاراتهم». تعاملوا مع «الاتصالات» ومجلس الإنماء والإعمار كأنها جهات مطوّبة باسم «المستقبل»، وبالتالي، فإن أي نقاش لموازناتها إنما هو مسّ بهم. لم يتوقفوا كثيراً عند ما قاله رئيس اللجنة ابراهيم كنعان عن تعليق بنود بقيمة 700 مليار ليرة، وتشمل كل الوزارات والجهات و«المحميات»، على حدّ قوله.
باسيل منزعج من تعديل اقتراحاته... والحريري حريص على المحميات


تردد لاحقاً أن جبهة الحريري - باسيل قد حسمت أمرها بنسف كل التعديلات التي طالت الموازنة، أو أغلبها. الحجة دائماً هي المحافظة على نسبة العجز المقدّرة في الحكومة، نظراً إلى خطورة الوضع. وصلت هذه الأجواء إلى عدد من النواب، الذين رأوا في خطوة كهذه، إذا حصلت، مقتلاً للعمل البرلماني. كنعان، من جانبه، لم يكفّ عن تكرار القول إن اللجنة تعمل على التوفيق بين الاصلاحات التي تقوم بها وبين المحافظة على مستوى العجز، مع إمكانية تخفيضه أيضاً، إذا اعتمدت الاقتراحات التي قُدّمت من أكثر من كتلة.
في هذا الوقت، كانت الجلسات المحصورة التي يعقدها ممثلون عن الكتل بغية التفاهم على المواد المعلّقة، تستمر بعملها كأن شيئاً لم يكن. لكن على خط مواز، تبيّن أن عدداً من النواب استغل مناسبة انعقاد لقاء الاربعاء، ليطلع بري على ما يجري من محاولات لضرب ما أنجزته لجنة المال من تعديلات على الموازنة. لم يستسغ بري ما يجري، ودعا إلى عقد جلسة مصغرة تتناول تفاصيل عمل اللجنة. تمهيداً لهذه الجلسة، أعاد تأكيد أن «الموازنة التي أحيلت على المجلس النيابي كأرقام لا يعني أن المجلس ملزم بالبصم عليها من دون نقاش، فالمجلس حريص على القيام بدوره الرقابي والتشريعي مع الحرص الشديد على حفظ حقوق الفئات الشعبية والمتوسطة وذوي الدخل المحدود».
حُدّد الموعد عند الحادية عشرة من نهار الجمعة. دُعي رئيس اللجنة ابراهيم كنعان إلى اللقاء، وشارك فيه النواب ياسين جابر، علي عمار، حسن فضل الله، آلان عون، علي فياض ونقولا نحاس.
حينها أطلق بري عملية مواجهة مشروع نسف تعديلات لجنة المال، ونقل عنه كنعان «دعمه المطلق للعمل التشريعي والرقابي الذي قامت به لجنة المال والموازنة».
في عين التينة تم تجاوز القطوع الأول. كان بري متقدماً على من التقاهم، فالقضية تعنيه مباشرة، خاصة أنها تمس الفصل بين السلطات والسلطة الرقابية لمجلس النواب. وفي الخلاصة، شُكّلت جبهة مقابلة لجبهة الحريري - باسيل. لكن في ساحة النجمة، قد لا يكون ذلك كافياً، فالمستقبل والتيار قادران على تأمين الأكثرية، خاصة إذا انضم إليهما الاشتراكي والقوات. ولذلك تحديداً، إذا لم يتم التراجع عن هدف نسف التعديلات، فإن طريقة إدارة الجلسة ستكون حاسمة في تثقيل كفة على أخرى.