نواب لجنة المال والموازنة ووكالات التصنيف ليسوا وحدهم من ينظر إلى مشروع الموازنة والوضع الاقتصادي والمالي العام من هذه الزاوية، بل انضمّت إليهم أيضاً المفوضية الأوروبية التي حذّرت من مخاطر أزمة ثلاثية: نقدية، مصرفية، دين عام. ترى المفوضية في تقرير صدر هذا الشهر، أن مؤشرات العجز في لبنان ”بعيدة جداً عن التزامات لبنان في مؤتمر سيدر». كذلك تشير إلى أن الحكومة التزمت بإصلاحات ”لا تزال عالقة»، فيما تتوقع ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 150%، وبلوغ عجز الحساب الجاري 27% من الناتج المحلي الإجمالي في ظل ”تباطؤ التدفقات خلال السنوات الأخيرة، وتحوّلها إلى سلبية (هروب الودائع) في أول شهرين من السنة، وارتفاع معدلات الفائدة، وارتفاع مخاطر لبنان بشكل عام».
ومن التحديات الرئيسية التي تثير قلق المفوضية، أن المشاكل البنيوية ازدادت، ”ما يبرّر خفض تصنيف لبنان فيما كل هذه التحديات والتطورات تثير الشكوك في قدرة لبنان على المقاومة التي اتّسم بها تاريخياً».
المفوضية توغّلت في الحديث عن عجز الموازنة. ترى أن خدمة الدين باتت تأكل وحدها نصف الإيرادات، والكهرباء تستهلك 15% أيضاً، والنفقات تتزايد في ظل ارتفاع معدلات الفائدة وارتفاع أسعار النفط. أما التقاعد في لبنان فهو ”مكلف وموزّع بشكل غير متوازن، ولا يستفيد منه أكثر من 2% من السكان، فيما حصّته من الناتج تبلغ 2.5%».
«موديز» تسخر من فرض رسم على «الأرغيلة بوصفه «إصلاحات هيكلية»
وتضيف المفوضية أن إعلان قطر الاكتتاب بسندات خزينة لبنانية بقيمة 500 مليون دولار، ثم الدعم السعودي غير المحدد، كان لهما دور في تهدئة الأسواق بصورة مؤقتة، إلا أنهما لا يؤديان بأي شكل من الأشكال إلى ”معالجة المشاكل الاساسية».
عند هذا الحدّ تذهب المفوضية في اتجاه إعادة إنتاج الوصفات الجاهزة نفسها التي يقدّمها صندوق النقد الدولي، أي زيادة ضريبة القيمة المضافة، ورفع الدعم عن الكهرباء، واحتواء فاتورة الأجور في القطاع العام. لكنها تلفت إلى أهمية إصلاح النظام الضريبي، ملمّحة إلى ”فجوة“ في ضريبة القيمة المضافة يمكن ردمها لتحصيل ما نسبته 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي.
بالنسبة إلى الوضع النقدي، ترى المفوضية أن تثبيت سعر صرف الليرة تجاه الدولار كان عاملاً أساسياً في الاستقرار، ”إلا أن هناك مؤشرات على تضخّم سعر الصرف الحقيقي، ما يضغط على احتياطات مصرف لبنان». بالنسبة إليها، إن تحرير سعر الصرف قد يحفّز الصادرات، لكنه يخلق موجة من زيادة أسعار السلع المستوردة ويضغط على محفظة الديون بالعملات الأجنبية، ”ما سيؤدي إلى تخلف لبنان عن سداد ديونه».
وتعتقد المفوضية الأوروبية أن تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار، يهدّد القطاع المصرفي بفعل ثلاثة عناصر أساسية: عدم التطابق بين آجال توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان الطويلة الاستحقاقات، مقابل ودائع قصيرة الأجل وتركز مرتفع فيها. ”مصرف لبنان أعطى حوافز لتشجيع إطالة آجال الودائع، ووضع قيوداً على السحوبات». وهناك نسبة دولرة مرتفعة، وانكشاف المصارف على الدين السيادي.
من أبرز الخلاصات التي تضمنها تقرير المفوضية الأوروبية أن ”النمو في لبنان مقيّد باقتصاد يعتمد بنسبة كبيرة على الخدمات غير الإنتاجية، فيما لديه بنية تحتية تتطلب استثمارات كبيرة، والنظام السياسي أبطأ اتخاذ القرارات الكبرى وأحياناً أدّى إلى شللها، ومكافحة الفساد مشكلة كبيرة…».
لكل هذا المشهد، فإن النظرة المستقبلية للمفوضية تتخلص بالآتي: من دون إصلاحات ملموسة، إن مخاطر لبنان تكمن في أزمة دين عام، وأزمة نقدية، وأزمة مصرفية. ترى المفوضية أنه يجب على الحكومة اللبنانية أظهار صدقية على المدى المتوسط ضمن استراتيجية واضحة تضع العجز على مسار الاستدامة، فضلاً عن ضرورة استعادة ثقة المستثمرين وإعادة التدفقات.