في أيار 2018، وقّعت «فاو» مع الحكومة الكندية اتفاقية لتمويل مشروع لدعم التعاونيات والجمعيات النسائية في قطاع الأغذية والزراعة في لبنان. وفي تشرين الأول من السنة نفسها، وقّعت المنظمة ووزارة الزراعة اللبنانية اتفاقية تعاون لتنفيذه. المشروع أُعدّ بناءً على طلب وزارة الزراعة، إلا أن التمويل جاء منسجماً مع «سياسات الإعانة الدولية النسائية التي أطلقتها كندا في 2017»، وفي إطار برامج منظمة «فاو» وسياستها الرامية إلى المساعدة على «المساواة بين الجنسين».
وبحسب الاتفاقية، سينفذ المشروع على مدى ثلاث سنوات في إطار هدف أساسي: «تهيئة بيئة اجتماعية وثقافية مواتية لتمكين المرأة اقتصادياً، تسهم في زيادة مشاركتها في التعاونيات والجمعيات النسائية في الاقتصادات المحلية وفي تأسيس مشاريع الأغذية المدرّة للدخل أو توسيعها». على أن تُختار 150 تعاونية زراعية نسائية أو جمعية زراعية نسائية من أصل 250، بالاستناد إلى معايير محدّدة، مثل عدد الدورات التدريبية المنجزة وجدوى خطة العمل وربحيتها، وإمكانية تسويق المنتجات، والضمانات البيئية والاجتماعية للمشروع، وإشراك ذوي الاحتياجات الخاصة. وتستفيد التعاونيات أو الجمعيات من عملية «بناء القدرات» ومن «الدعم التقني»، لحين اختيار المستفيدين النهائيين الـ150 بعد دراسة التعاونيات والجمعيات في المناطق الريفية ومسحها، ما سيؤدي إلى إعادة هيكلة القطاع بكامله لإحياء تعاونيات قائمة أو استحداث تعاونيات وجمعيات جديدة.
1.2 مليون دولار فقط من خمسة ملايين ستذهب الى 160 جمعية
وبعد ثلاث سنوات من الانخراط في الدورات التدريبية، ستحصل التعاونيات والجمعيات المختارة على منحة بقيمة 8 آلاف دولار لكل منها، وعلى قسائم عمل للاجئين (العاملات من أُسر النازحين السوريين) بمعدل 160 يوم عمل. «وقبل ذلك ستجري عملية طويلة لبناء القدرات ونقل التكنولوجيا وتنظيم الدورات التدريبية ذات الصلة، بما فيها الرصد والتقييم والإرشاد… إضافة إلى حملة توعية واسعة النطاق حول حقوق المرأة ودورها على مستوى العائلة والمجتمع».
هذا المشروع الساعي إلى دمج الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة في الريف اللبناني والنازحات السوريات، يصبح مختلفاً جداً بعد ملاحظات رئيس مجلس إدارة الاتحاد الوطني العام للجمعيات التعاونية اللبنانية رضا الميس، التي وجهها إلى وزير الزراعة حسن اللقيس. فقد طلب الميس «تصويب المشروع لتستفيد منه التعاونيات»، بعدما تبيّن أنه يراعي توجهات الواهب من دون أي مراعاة للواقع اللبناني، لكونه «سيدعم التعاونيات الزراعية النسائية والجمعيات النسائية، فيما لكل منها مرجعية مختلفة، ولكل منها أهداف تأسيسية مختلفة وغير مترابطة في العمل. كذلك فإن تقديم المساعدة مباشرةً إلى النازحات السوريات ليكنّ اليد العاملة في التعاونيات، يشكل منافسة لليد العاملة النسائية اللبنانية العاملة أساساً في هذه التعاونيات».
المشكلة الأكبر، بحسب الميس، أن المشروع سيدعم كل تعاونية بنحو 8 آلاف دولار «وهو مبلغ غير كافٍ لشراء آلة واحدة للعمل بها، فكيف لإنشاء تعاونيات جديدة؟». ولفت الميس إلى أن «قيمة المشروع الإجمالية تبلغ 4.912 ملايين دولار، فيما المساعدات للتعاونيات محددة بـ 1.2 مليون دولار، أي أن 76% من القيمة الإجمالية عبارة عن أجور ودورات تدريبية»، ما يثير سؤالاً أساسياً: أين تنمية التعاونيات، وأين مساعدتها على تحسين إنتاجها وتسويقه؟
وبحسب مستندات المشروع المتوافرة لدى منظمة «فاو»، إن توزيع الكلفة هو على النحو الآتي:
- 1.66 مليون دولار كلفة فريق الإدارة.
- 151 ألف دولار لأعمال مختلفة.
- 100 ألف دولار للسفر.
- 25 ألف دولار للتجهيزات.
- 2 مليون دولار لعقود تقنية وإدارية ولوجستية (تشمل المساعدات للتعاونيات والعاملات السوريات).
- 113 ألف دولار تدريب.
- 193 ألف دولار مصاريف عمومية.
- 565 ألف دولار دعم تقني من «فاو» بنسبة 13% من المشروع.
هذه التفاصيل تجعل التساؤل مشروعاً عما إذا كان المشروع يهدف فعلاً إلى تمكين المرأة اقتصادياً، أو تريد «فاو« منه دفع رواتب موظفيها بشكل يشبه مشروعاً وقّعت عليه مع مجلس الإنماء والإعمار لتخفيف التلوث في نهر الليطاني، واقتصر على إجراء تجارب على بعض المواقع من دون تقديم أيّ دعم للمزارعين؟