بلغت إيرادات الخزينة العامة من استخدام اللبنانيين المسافرين لخدمة التجوال الدولي («الرومينغ»)، في العام الماضي، قرابة 5 ملايين دولار في شركة «ألفا»، و6 ملايين في «تاتش». في حين أنّ حصيلة استخدام «الرومينغ» من الأجانب داخل لبنان، هي تقريباً 20 مليون دولار في كلّ من الشركتين. الأرقام الرسمية من شركتَي الخلوي ليست كبيرة، وتُظهر تراجعاً في أرباح واحد من قطاعات الاتصالات، وإيراداته. السبب الرئيسي في هذه الخسارة يتعلق بـ«هروب» مشتركي الهاتف من استخدام الـ«رومينغ» لدى مغادرة البلد، نظراً لأكلافه العالية، وتحديداً في ما خصّ استخدام الإنترنت. التكلفة على الأجانب في لبنان مرتفعة أيضاً، خاصة بسبب غياب اتفاقات مع الشركات العالمية.«مشكلة» خدمة «الرومينغ» ليست حصرية لبنانية، بل هي عالمية، تواجه كبرى شركات الاتصالات. الفرق أنّ الأخيرة تبحث دائماً عن طرق «لإغراء» المُستخدم، وتوفير باقات مُشجعة حتى يستعمل هاتفه الخلوي خارج بلد إقامته، ولا «تخسره». ولكن في لبنان، الحلّ الأسهل كان في «تلزيم» خدمة «الرومينغ» التي تُقدمها أصلاً «ألفا» و«تاتش»، لشركة خاصة، بحجة انخفاض إيرادات الشركتين وأرباحهما (وتالياً واردات الخزينة) من هذه الخدمة، ووجود شريحة «ميتة» من المسافرين الذين لا يستخدمون خطوطهم اللبنانية أثناء السفر. وقد بدأت شركة «Wonet» المفاوضات مع «ألفا» و«تاتش»، مدعومةً من كتابٍ أرسله وزير الاتصالات محمد شقير إلى الشركتين المملوكتين من الدولة لتسهيل أمور «Wonet» وتسريع الاتفاق معها. الشركتان تتفقان على أنّ الخدمة الجديدة «ضرب ممنهج للشركتين المملوكتين من الدولة ولخدمتهما». الملاحظات على خدمة «الرومينغ» الخاصة عديدة.
بداية المفاوضات ودراسات الميدان «كانت مع ألفا، أما مع تاتش فقد عُقد اجتماع قبل أيام، ولا تزال الأمور في بدايتها»، بحسب أحد مؤسسي «Wonet» جوزف الجدّ. لا يريد الرئيس السابق لشركة «أوريدو» في الجزائر، الكشف عن تفاصيل المفاوضات، مُكتفياً بالقول إنّ «الإيرادات ستكون أعلى، والأسعار على المُشترك أقلّ كلفة».
كلامٌ يتعارض مع ما تكشفه مصادر الشركتين، اللتين قُدّم إليهما العرض نفسه. فبحسب دراسة قامت بها إحدى الشركتين، تبين أنّ المبلغ الذي سيدخل إلى خزينة الدولة من الخدمة الجديدة، في العام الأول، لا يتعدّى 70 ألف دولار. هناك احتمال أن ترتفع الإيرادات، في السنوات المقبلة، إلى 700 ألف دولار، «إلا أنّ الدولة ستخسر، من انخفاض كلفة الاتصالات الدولية وزبائن الرومينغ لديها، ما يُعادل هذا الرقم وأكثر منه».
تعمل الـ«Wonet» وفق خدمتين: الأولى هي التجوال الصوتي (Voice) عبر تطبيق الخدمة، «وقد أطلقناها في 40 بلداً حيث نقل الصوت عبر الإنترنت (VoIP) مشرَّع. يُمكن أن يكون شخصٌ في فرنسا ويتلقى اتصالاً من دون أن يتكبد تكاليف الرومينغ. كما لو أنّه اتصال واتساب ولكن من طرف واحد»، يُخبر الجدّ. أما الخدمة الأخرى، فهي تجوال البيانات (الإنترنت) عبر شريحة البيانات (Wonet Data SIM). يُنزَل تطبيق الخدمة، مع طلب «الشريحة الخاصة بنا». ويُضيف أنّه «وقعنا اتفاقات مباشرة مع 120 دولة، من أجل أن تُصبح أسعار الرومينغ أرخص». بالنسبة إلى شركتَي الاتصالات، تتحول الـ«Wonet» بتقديمها شرائح خاصة بها (مطابقة لشرائح الهاتف الخلوي المعتمدة من قبل «تاتش» و«ألفا») إلى «زميلةٍ» لها، كمُشغل شبكة محمول افتراضية (MVNO). وهنا مشكلة «تاتش» و«ألفا» الأولى.
الباقات التي طرحتها الشركة الخاصة، هي 1 جيغابايت بكلفة 25$، مُقسمة لـ19$ لـ«Wonet» مقابل 6$ للدولة عبر الشركتين، أي ما نسبته 24%، وذلك مناقض لكلام شقير الذي قال سابقاً إنّ الأرباح ستُقسم مناصفةً بين الدولة والشركة. والباقة الثانية هي 2 جيغابايت، بكلفة 40$، مُقسمة 30$ لـ«Wonet» و10$ للشركتين. وطلبت الشركة أن تُوزّع 100 ألف خط «Wonet» مجاناً، لأكثر 100 ألف شخص يُسافرون ولا يستخدمون «الرومينغ»، من أجل تسويق خدمتها. يقول جوزف الجدّ إنّ «الباقتين قرّرتهما الشركتان»، موضحاً أنّ الـ«19$ أو 30$ التي سنحصل عليها، تتضمن الكلفة وسعر الجيغابايت الذي نشتريه قبل أن نبيعه. بعد حسم هذه الأمور، نتقاسم الأرباح مع الشركتين مناصفةً».
المشكلة الثانية التي تتحدث عنها الشركتان، أنّ الجمع بين التجوال الصوتي وتجوال البيانات، يعني أنّ المُستخدم لن يعود بحاجة إلى تفعيل شرائح «ألفا» و«تاتش» في الخارج. أي أنّ الشركتين «ستُسلمان» بيانات عملائهما مجاناً لشركة خاصة، منافسة لهما. الخسارة لن تكون مادية وحسب، بل ستشمل أيضاً غياب السيطرة على ما يصل إلى هواتف المستخدمين من رسائل وخدمات... فضلاً عن كسر احتكار وزارة الاتصالات للمكالمات الدولية.
النقطة الثالثة التي أثارت ريب شركتي الاتصالات، هي رفض «Wonet» أن تحمل الشرائح الموزعة علامة «تاتش» أو «ألفا»، لأسبابٍ قانونية - تنظيمية تتعلق بالاتفاقات المعقودة مع المشغلين الأجانب. «الخطورة» على الشركتين، أنّ الـ«Wonet» التي تعمل «مُشغّلاً افتراضياً» لشبكة محمول افتراضية (MVNO) فرنسية، ستُصبح منافسة لهما، وتستخدم عملاءهما، لتوزع الشرائح والخدمات، فيكون المُشغل الأجنبي مُستفيداً أيضاً على حساب الشركتين المملوكتين من الدولة. ولم يعد الحديث عن خدمة قيمة مُضافة في قطاع الاتصالات، بل عن مُشغل صغير يدخل إلى السوق، بقرارٍ وزاري.
تبين أنّ إيرادات الخزينة من «Wonet» في العام الأول لن تتعدى 70 ألف دولار


يُدافع جوزف الجدّ عن خدمته بالعودة إلى الأرقام، ونسبة الربح القليلة الناتجة من «الرومينغ»، وما تقوم به شركته «هو البحث عن كيفية زيادة الإيرادات». يقفز الرجل فوق أنّ خدمته ستؤدي إلى انخفاض إيرادات «الاتصالات الدولية»، وأرباح اتصالات المشغلين الدوليين، من مخابرات الأرقام اللبنانية في الخارج، ويرى أنّه «عندما يصل اللبناني إلى بلد ثانٍ، يتحول إلى استخدام مُشغّل ثانٍ. حالياً بإمكانه أن يستخدم شبكة Wonet وتكون «ألفا» و«تاتش» مستفيدتين من حصة من الإيرادات». أما بالنسبة إلى الأرباح الناتجة من الأجانب الذين يستخدمون «الرومينغ» في لبنان، «فلن يتغير شيء بما خصها، لأنّ خدمتنا غير مُشغلة في البلد، وهي مُخصصة فقط للبنانيين في الخارج». علماً أنّه بحسب معلومات «الأخبار»، في بداية المفاوضات، كانت الـ«Wonet» تطلب الحصول على واحد من الخطوط التأجيرية الدولية للشركات (المعروفة باسم E1) لاستخدام نقل الصوت عبر الإنترنت (VoIP) في لبنان.
يرفض الجدّ مقولة أنّ شركته منافسة لـ«ألفا» أو «تاتش»، أو تعمل باستقلالية عنهما، «فلن يكون بإمكان أحد تنزيل التطبيق إلا عبر ألفا وتاتش، وسنتحول إلى خدمة لهما. كلّ اتصال أو رسالة، يصل إلينا عبرهما. نحن تحت رقابة الشركتين المشغلتين». ما يراه الجدّ أمراً إيجابياً، يلقى انتقاداً من خبراء اتصالات، «فلو كانت الخدمة الجديدة شبيهة لـ«سكايب» أو غيره من تطبيقات الـ«OTT» (القائمة على التكنولوجيا المتقدمة)، لكان الأمر عادياً، أما أن يجري «بيعها» من الشركتين الرسميتين، بشكل يُنافس الخدمة الأساسية، فهنا علامات الاستفهام».
ويقول الجد إنه «لم نرفض وضع علامة الشركتين على الشريحة، بل أن تكون مشتركة العلامة بينهما وبين Wonet. هذه الأخيرة يجب أن تكون موجودة، لأن المستخدم سيستفيد من شبكتنا ليأخذ خدماتنا».
يتعامل الجدّ مع الشركتين المُشغلتين من موقع أنّه أتى «ليملأ فراغاً»، كما لو أنّه لا حلّ لانخفاض أرباح «الرومينغ» وإيراداته إلا عبر تطبيقه... «إذا وجدوه قيمة مضافة، عظيم. وإذا وجدوا حلاً بالسعر نفسه أو أرخص، ننتقل إلى بلد آخر». بحسب معلومات «الأخبار»، الشركتان غير مُتحمستين للخدمة الجديدة، وتتحدثان عن تعقيدات تقنية ممكن أن تمنع تطبيقها، ولكنّهما تتعرضان لضغوط من وزير الاتصالات لتمريرها. أما بالنسبة إلى الجدّ، «فلا يوجد تعقيدات تقنية. نحن أرسلنا كلّ المعلومات للشركتين، بانتظار الجواب. لا أتصور أنّ هناك مشكلة، كان هناك نقاش في الأسعار واقتنعنا معهما». في حال توقيع العقد، «ننطلق في غضون أسابيع». هل أنت واثق من انطلاقها؟ «كلا لست متأكداً. هذه الخدمة، لا تُفعّل إلا باتفاق كامل مع الشركتين، ويكون الجميع مقتنعين بها».