وضعت لجنة الاتصالات النيابية يدها على قطاع الخلوي، بهدف وحيد هو معرفة سبب الأرقام الكبيرة للأكلاف التشغيلية والاستثمارية والتي وصلت في الشركتين، في عام 2018، إلى 660 مليون دولار. في دراسة أولية أعدها رئيس اللجنة النائب حسين الحاج حسن، خلص إلى إمكانية توفير 200 مليون دولار بالحد الأدنى. هذا مبلغ يعادل موازنة أكثر من عشر وزارات مجمتعة ويعادل ما يمكن أن تؤمنه إجراءات قاسية في الموازنة.بحسب ما تبين في الاجتماعين اللذين عقدتهما اللجنة لمناقشة أوضاع شركة «تاتش»، فإن مزاريب الهدر عديدة، لكنها في معظمها تصب عند وزير الوصاية، أي وزير الاتصالات. الوزير يستطيع بـ«شحطة قلم» إلغاء مناقصة لم تعجبه نتيجتها، أو بشكل أدق لم يعجبه اسم صاحب العرض الفائز، ليعود بـ«شحطة» قلم أيضاً فيوافق على فوز عارض آخر من دون مناقصة أحياناً وبسعر مضاعف!
هذا أمر تناوله رئيس اللجنة باستفاضة في مؤتمره الصحافي. كذلك أوضح أن اللجنة طلبت دراسات عن الجدوى وعن كل المناقصات التي جرت في عام 2018. كما طلبت العودة عشر سنوات إلى الوراء في كل المناقصات، «أي أننا نتحدث عن مبالغ تصل الى مئات ملايين الدولارات».
كما المناقصات كذلك الدراسات. قد يرفض الوزير دراسة كلفتها 10 ملايين دولار، ثم يوافق على تنفيذ الدراسة نفسها بـ 50 مليون دولار. وهذه أرقام افتراضية، لكنها تعبّر عن واقع التلزيمات في قطاع الخلوي، نوقشت في اللجنة، في إطار مناقشة ملف النفقات الرأسمالية، وفي إطار تأكيد ضرورة إجراء مناقصات شفافة ومفتوحة والالتزام بنتائجها، وما أكد وزير الاتصالات أنه سيلتزم به.
كثيرة هي الأمثلة على فضائح المناقصات. مصدر مطلع يثير مسألة مناقصة الـ«داتا سنتر» للمبنى الجديد لشركة «تاتش». فبعدما تقدمت عشرات الشركات إلى المناقصة وفازت إحداها بالعقد بقيمة 1.7 مليون دولار، ألغيت هذه المناقصة. لماذا ألغيت؟ لا أحد يعرف. لكن ما هو أكيد أنه أعيد طرح المناقصة، ففازت شركة «SEG»، بعدما قدمت عرضاً بقيمة 3.2 ملايين دولار. أيضاً، لا أحد يعرف لماذا تضاعف المبلغ، لكن الأكيد أن الشركة هي نفسها سبق أن جهّزت المبنى الجديد للشركة. اللافت أن المصادر تعتبر أنه حتى العرض الأول كان سعره مرتفعاً، إذ يجب ألا يكلف أكثر من نصف مليون دولار، فإذا به يكلّف 3.2 ملايين دولار.
لم يتم الدخول في تفاصيل المناقصات في الجلسة، بانتظار دراسة المعطيات التي قدمت من قبل شركة «تاتش». لكن النقاش تناول ما أعلنته الشركة عن وصول نفقاتها الاستثمارية في عام 2018 إلى 85 مليون دولار (شراء معدات، تجهيزات، برامج، مفروشات وأعمال...)، ووصول نفقاتها التشغيلية إلى 143 مليون دولار، أي ما مجموعه 228 مليون دولار.
مناقصة «داتا سنتر» في «تاتش» ألغيت عندما كان العرض بقيمة 1.7 مليون دولار وقبلت بعدما تضاعف الرقم!


وكان رئيس اللجنة حاسماً في إشارته إلى أن هذه النفقات يمكن التوفير فيها «إذا التزمنا بالمناقصات الشفافة والمفتوحة».
وفيما تشمل النفقات التشغيلية رواتب الموظفين وملحقاتها والإيجارات، الصيانة، المحروقات، الدعايات والإعلانات والرعاية والاحتفالات وغيرها من التفاصيل، فقد أوضح الحاج حسن أنه «بعد أول وثاني نقاش أصدر معالي الوزير بياناً، وقال إنه سيخفّض الإيجارات 20 بالمئة (تعادل 4 ملايين دولار)، وسوف يخفض الصيانة حوالى 20 بالمئة أيضاً (30 مليون دولار)، وسيخفض الرعاية والدعاية بالشركتين (3 ملايين دولار). كذلك سبق أن أعلن الوزير رفع مداخيل الدولة من الخدمات ذات القيمة المضافة من 20 (بالنسبة الى بعض الخدمات) إلى 50 في المئة، وهذا يعني بلغة الأرقام استعادة ما يقارب 25 مليون دولار كانت تؤول إلى شركات، ما تقوم به هو تقديم الفكرة والبرنامج الخاص بالخدمة، مقابل استخدام شبكة الدولة وأعمدتها وكذلك محطاتها وكل بنيتها التحتية».
وعليه، أشار الحاج حسن إلى اتفاق مع وزير الاتصالات على أن «نبدأ برسم الأطر حول ما يجب صرفه وما لا يجب صرفه. وهنا أيضاً قامت اللجنة بنقاشات واسعة وتستكملها على ضوء الورقة التي قدمتها «تاتش» وأيضاً الورقة التي قدمتها «ألفا»».
ذلك كلام لم يعجب وزير الاتصالات الذي رد مكتبه الإعلامي على الحاج حسن، معتبراً أن «كل ما قام به الوزير شقير خلال هذه الفترة القصيرة من توليه وزارة الاتصالات جاء بناءً على خطة ورؤية للوزير شقير لتطوير عمل الوزارة وزيادة إنتاجيتها، وخصوصاً خفض النفقات وزيادة الإيرادات، ولم يكن على الإطلاق ناتجاً من أي اجتماعات أو نقاشات حصلت داخل لجنة الاتصالات أو في أي مكان آخر».
وأكد البيان «استعداد الوزير شقير وانفتاحه على أي نقاش إيجابي حول قطاع الاتصالات، لكنه عبر عن رفضه الكلي لأي مزايدات أو عراضات في غير محلها».
وقبل البيان، كان شقير قد هدد من السرايا الحكومية بأنه «إذا كان سيصار الى تحوير الأمور خلال الاجتماعات، فأنا لن أحضر أي اجتماع للجنة الاتصالات». أضاف: «كنت منفتحاً جداً ولا شيء لديّ لأخبّئه، ولكن ما قرأته اليوم فاجأني، ويجب أن نكون أمناء في نقل الخبر. بدا لي كأنهم يريدون القيام ببطولات من وراء هذا الموضوع. من هنا، أود أن أقول إن ما طرح خلال اللجنة هو اقتراحاتي التي تقدمت بها أنا الى اللجنة، وليس كما قال الوزير حسين الحاج حسن إن اللجنة فرضتها عليّ».