أثار اقتراح وزير الاقتصاد منصور بطيش بزيادة الرسم الجمركي على الواردات بمعدل 3% جدلاً واسعاً بين المعنيين. للوهلة الأولى، يبدو هذا الجدل أقرب إلى بازار منفصل عن أهمية إقرار سياسات اقتصادية - تجارية هدفها إعادة رسم النموذج الاقتصادي اللبناني بما يؤدي إلى تعزيز الصادرات وتخفيف الضغط عن ميزان المدفوعات. ثمة خبراء يعتقدون أن ترفيع الاقتراح إلى مستوى السياسات الوطنية، يتطلب عزل مراكز المصالح عن النقاش، سواء كانت هذه المراكز تتمثل بالتجار والصناعيين أو بكتل سياسية تربطها علاقات بدول متضررة من الإجراءات المقترحة. الأفضل، برأي هؤلاء، أن تقرّر الحكومة سياستها التجارية، من خلال تحديد القطاعات التي تجب حمايتها وتعزيز تنافسيتها تمهيداً لدمجها ضمن منظومة التجارة الدولية، وهو ما يؤدي إلى تقليص عجز الحساب الخارجي، أي تخفيف نزف العملات الأجنبية التي يستقطبها لبنان بكلفة باهظة لتمويل استيراد السلع.وبالاستناد إلى هذه السياسة، يمكن تحديد معايير واضحة لزيادة الرسم الجمركي متصلة بالمدة الزمنية وبمستوى الرسم والسلع التي يصيبها وعلاقات لبنان مع الدول التي يتبادل معها السلع. قد يكون من أبرز هذه المعايير التفريق بين السلع النهائية التي تدخل إلى لبنان والمواد الأولية التي تستخدم في الصناعات المحلية أو السلع الاستهلاكية الحيوية.
المفارقة أن النقاش في لبنان، كالعادة، ينطلق من مصالح القوى، وصولاً إلى إيجاد آلية للموازنة في ما بينها، ما يؤدي عملياً إلى نسف الجزء الأساسي من الأهداف التي وُضع الاقتراح من أجلها.

التجار مع الرسم الشامل
رئيس جمعية التجار في بيروت نقولا شمّاس، كان رافضاً لمبدأ زيادة الرسم الجمركي، إلا أنه عدّل موقفه. «شعرت بأنّ هناك إصراراً وإرادة سياسية صلبة لدى تكتل لبنان القوي للاستفادة من محطة الموازنة لتحقيق ثلاثة أهداف: ربط الشأن الاقتصادي بالمالي، تقليص العجز التجاري، حماية القطاعات الإنتاجية. لذا، ناقشت مبادرة الوزير منصور بطيش مع وزير الاتصالات محمد شقير وخلصت إلى موقف حاسم بإمكانية زيادة الرسم الجمركي بمعدل 2% لمدة ثلاث سنوات يشمل كل الواردات باستثناء المواد الأولية للصناعة، والآليات الصناعية، والمشتقات النفطية التي تستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية».
موافقة مشروطة من التجار بأن يكون الرسم شاملاً كل الواردات


ويتشدّد شمّاس في معدل الزيادة المطروحة انطلاقاً من «كونها مرتفعة بما فيه الكفاية لتحقيق إيرادات بقيمة 300 مليون دولار، ومتواضعة بما يكفي لعدم إطلاق التضخّم والتهريب وأذية التجار النظاميين والمستهلكين». ولكنه يعترض على «أي اقتراح آخر يرمي إلى زيادة رسوم جمركية مرتفعة على باقة محدّدة من السلع، إذ إن ذلك لن يفي بالغرض المالي المنشود، وسيؤدي إلى زعزعة القطاع التجاري وفتح أبواب التهريب ودكّ إيرادات الخزينة وإشعال نار التضخّم ورفع بنية الأسعار. إن زيادة الرسم الجمركي بشكل شامل على الواردات هو الأمر الوحيد المقبول من الأسرة التجارية مع مراعاة هوامش الصناعيين».

أولوية حماية الصناعة
وبحسب رئيس المجلس الوطني للاقتصاديين اللبنانيين، صلاح عسيران، فإنه يقترح زيادة 10% لمدّة خمس سنوات على الواردات التي لها بديل في لبنان يغطي 60% من حاجات السوق. ويشير إلى أن الذريعة المستخدمة لضرب هذا الاقتراح ساقطة لأنها «تستند إلى توقيع لبنان اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها التي تفرض على البلد العضو أن يرفع القيود عن وارداته… لكن، على سبيل المثال، إن المادة 34 من الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، تعطي لبنان الحق في فرض رسوم حمائية أو ردعيّة لمدة معينة إذا تبيّن له أنه يواجه مخاطر جديّة تستوجب تعزيز عجز الحساب الجاري، أي أن الاتفاقية أعطت لبنان مساحة واسعة من الحرية لتعزيز صادراته وحماية صناعته يجب استغلالها وعدم التذرّع بالاتفاقية لمنع هذا الاقتراح».
كذلك، يشير نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش، إلى أن «زيادة الرسم الجمركي مطلب الصناعيين، وإن كانت نسبة الزيادة بمعدل 3% لا تكفي». وهو ينطلق من كون البضاعة المستوردة تأتي بفواتير مخفضة، وهناك كلام رسمي عن الواردات من الصين المفوترة بقيمة ملياري دولار، فيما قيمتها بحسب المنشأ تبلغ 4 مليارات دولار. هذا يضر بالخزينة، ويضرب المنافسة بين الصناعة والاستيراد، وهو عنصر حاسم للاستنتاج بأن المستورد هو المستفيد من فرق الفوترة، وأن المستورد هو الوحيد الذي سيخسر من ربحه لتمويل زيادة الرسم، بينما لن يتأثّر المستهلك نهائياً. نحن مع زيادة الرسم 2% أو 3% على السلع التي يوجد بديل محلي لها، ومع زيادة الرسم بمعدل 10% على السلع الآتية من الشرق الأقصى».

موافقة غير محسومة
وزير الاتصالات محمد شقير، يتجنّب الحديث عن موقف تيار المستقبل من زيادة الرسم الجمركي، إلا أنه يعبّر عن رأيه بصفته رئيساً للهيئات الاقتصادية، ويشير إلى أنه لا يوافق على زيادة بمعدل 3%، ويشترط للموافقة على زيادة بمعدل 2% ألّا تشمل السلع الأساسية مثل المحروقات والدواء والغذاء وسواها، وأن يكون إقرارها مرتبطاً باستثناء يتعلق بالدول التي لدى لبنان اتفاقيات معها مثل الاتحاد الأوروبي واتفاقية التيسير العربية. «الاتحاد الأوروبي يساعد لبنان بمبالغ طائلة هي بمثابة فرق عجز الميزان التجاري بينه وبين لبنان».
ويذهب شقير أبعد من ذلك، مشيراً إلى أنه ضدّ «زيادة الرسم الحمائي على السلع التي اشتكت من إغراق واردات وتزايدها، مستعيناً بذلك على التجربة مع تركيا بعد زيادة رسم حمائي على بعض الواردات المستوردة من هناك في السنة الماضية. تبيّن أن الخزينة خسرت إيرادات بقيمة 18 مليون دولار ولا تزال البضائع نفسها المشكوّ منها تدخل مهرّبة إلى لبنان. يجب أن ننظر إلى حماية المستهلك أيضاً وألّا نرفع كلفة المعيشة في لبنان».

الجدوى الاقتصادية
ماذا عن موقف حزب الله الذي عبّر عنه في جلسة مجلس الوزراء؟ الحزب يرفض التعليق، إلا أن ما رشح من موقفه في جلسات مجلس الوزراء أنه يرفض الزيادة الشاملة على كل الواردات تجنّباً لإدخال لبنان في دوامة ارتفاع الأسعار، إذ إنه يرفض زيادة الرسوم في الظروف الحالية. لذا، يجب تحويل هذا الرسم إلى أداة اقتصادية مجدية للتفريق بين السلع التي لها بدائل محلية وبين السلع غير الضرورية. الهدف حماية الإنتاج المحلي، علماً بأن كل السلع التي لها بدائل في لبنان تمثّل أقل من 5% من مجموع قيمة السلع المستوردة وقيمتها الإجمالية تبلغ 700 مليون دولار، ما يعني أن المقاربة يجب أن تكون دقيقة لتحديد السلع التي يجب أن تصيبها هذه «الضريبة»، إذ ليس منطقياً زيادة الرسوم على المشتقات النفطية، ولا على السلع الاستهلاكية الأساسية… أما إذا كان الهدف هو الإيرادات فقط، فستصبح زيادة الرسم الجمركي على كل الواردات مماثلة لزيادة الضريبة على القيمة المضافة، مع فرق أن الثانية تحصيلها أسرع للخزينة، وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن الحزب يوافق على زيادة ضريبة القيمة المضافة.



زيادة الرسم الجمركي بيد الحكومة
بموجب القانون رقم 93 الصادر في 10 تشرين الأول 2018، فإن مجلس النواب منح الحكومة سلطة التشريع في الحقل الجمركي لمدّة خمس سنوات، وهو أمر دأبت عليه الحكومات المتعاقبة استناداً إلى أسباب موجبة تتعلق بضرورة أن تكون السلطات المختصة مهيّأة في كل وقت لاتخاذ الإجراءات الضرورية ووضعها فوراً موضع التنفيذ، نظراً لطابع السرعة الذي تتسم به التشريعات الجمركية ولطابع السرية خلال فترة دراستها وإعدادها حتى إصدارها. بمعنى آخر، إن الحكومة لديها الحق في تعديل الرسوم الجمركية بمرسوم، وهي مُنحت هذا التفويض من مجلس النواب لسبب بديهي مرتبط بإمكانية تخزين التجّار للبضائع في حال علمهم بأنّ هناك زيادة على الرسم الجمركي ستشمل سلعاً معينة، وبالتالي سيحققون إثراءً على حساب المستهلك. وفي الحالة الراهنة، إن إدراج اقتراح كهذا في الموازنة يعني أن إقراره ومناقشته في اللجان النيابية وفي الهيئة العامة، يمنح التجّار فرصة طويلة لتخزين السلع التي تُطرَح زيادة الرسم عليها.