ينهمك عفيف شومان (37 عاماً) بتحضير لائحة العائلات التي ستستفيد من برنامج الحصول على الإفطارات المجانية يومياً في شهر رمضان المقبل. 1300 عائلة «مستورة» يعكف «أبو الفضل»، مع «جنود مجهولين»، على تحديد عدد أفرادها وأماكن سكنها في كل أنحاء الجنوب. في المقابل، يتواصل مع المطاعم ومحال المواد الغذائية والخضر واللحومات والحلويات لإقناعها بالإستفادة من «الأجر» عبر التبرع بوجبات وحصص جاهزة للفقراء. لكن من سيوزعها؟. حتى الآن، تطوع ثلاثون شخصاً لتوصيل الإفطارات على أن يصل العدد تباعاً إلى مئة، يغطون كل البلدات، يومياً، طوال ثلاثين يوماً.اللافت أن شومان ينجز معظم الترتيبات عبر حسابه على «تويتر». «أبو الفضل» ناشط «تويتري» مهتم بالقضايا الإجتماعية ومساعدة المحتاجين. كوّن شبكة من المتابعين تحولوا إلى ما يشبه الجمهور الذي يتأثر بما يغرّده ويلبي نداءه إذا ما طلب المؤازرة. عوامل كثيرة حولت القصّاب والفرّان إلى زعيم افتراضي وفارج همّ المعوزين.
قبل 19 عاماً، لم يكن حال شومان أفضل من أحوال من يساعدهم اليوم. ضمن أسرة مكونة من 12 أخاً وشقيقة، نشأ في بيت حوّل والده جزءاً منه إلى فرن للمناقيش. على غرار أشقائه الذكور، بدأ العمل في سنّ العاشرة بالتزامن مع متابعة دراسته. الفتى «الشاطر» اضطر، بعد نيل الشهادة المتوسطة، إلى التحول إلى التحصيل المهني. درس اختصاص «شيف» مطبخ ليعزّز ما تعلمه خلال عمله في أفران المنطقة وملاحمها. ما يحصّله من راتب، هو وأشقاؤه، كان يعطيه إلى والديه لتأهيل البيت المتداعي وتوفير الحاجيات. في سن الثامنة عشرة، كان قد ادخر مع شقيقه 500 دولار. قررا افتتاح ملحمة وفرن في زفتا. بالتقسيط، اشتريا الآلات اللازمة. المحل الذي لم يكن يتسع لكرسيين للزبائن، توسع على نحو تدريجي حتى أصبح من أشهر الإستراحات على أوتوستراد الزهراني – النبطية. وزّع شومان جزءاً مما «رزقنا به الله» على العائلات المستورة، إنما بشكل إفرادي. التحول الكبير في حياته، سجل خلال عدوان تموز 2006. علم بأن معظم الكادر التمريضي والطبي في مستشفى الفنار للأمراض العصبية والعقلية (في المروانية المجاورة)، غادروا مخلفين وراءهم حوالي 280 مريضاً. أبو الفضل وعدد من الشبان لم يغادروا زفتا طوال العدوان لتوفير حاجيات المرضى المحاصرين فوق التلة التي تعرضت لقصف متواصل. «تحت الخطر، كنا نجمع المواد الغذائية والخضر واللحوم والخبز وننقلها إلى المستشفى». الزيارة اليومية للفنار في ظل العدوان، أسست للمودة التي ربطت المرضى بشومان، والثقة التي ربطته بالموظفين. الثقة والمودة سمحتا له بإخراج أحد المرضى الذي اودعه أهله المستشفى عام 1987 لأنه يعاني من صعوبة في النطق. عادل لم يعد إلى الفنار بعد انتهاء العدوان. ظل برعاية «أبو الفضل» وعائلته. عمل معه في الإستراحة وعاش في كنفه إلى أن توفي قبل ثلاث سنوات بحادث صدم. على غرار عادل، حاول شومان التوسط لدى إدارة الفنار لإخراج نزلاء تسمح حالتهم الصحية بذلك وتبنّاهم عملاً وإقامة. في بلدته وجوارها، استطاع إنقاذ عدد من ذوي الحالات العصبية والنفسية الخاصة من براثن الشارع وسوء المعاملة، من خلال دعمهم اجتماعياً واقتصادياً وتشغيل بعضهم لديه. في ذهنه، يحفظ شومان مراحل تراجع حالة الفنار حتى قرار وزارة الصحة بإقفالها وتوزيع النزلاء على مراكز رعائية أخرى. يحدد موعد بدء الأزمة بعام 2016، عندما تدهورت حالة صاحبة المستشفى عادلة اللبان «التي كانت تحسن إدارة شؤونه». منذ ذلك الحين، بدأ يجمع المساعدات الغذائية والعينية للمرضى يومياً، بعد ان كان يكتفي بزيارتهم مرة أسبوعياً. «أنا مجبر لأني وضعت نفسي في الواجهة» يقول. سخّر حسابه على «تويتر» ليطلق حملة تضامن عاجلة لإنقاذهم، لبى نداءها وزير الصحة جميل جبق. ترك مرضى الفنار فراغاً في قلب «أبو الفضل»، سرعان ما ملأه باللحاق بهم إلى أماكنهم الجديدة في منطقة صور. كأنهم جزء من عائلته، يحرص على زيارتهم ومنهم من يتصل به باستمرار.
أطلق الحملة التي أدت الى حل مشكلة نزلاء مستشفى الفنار


لم يرتح شومان. حمل راية أخرى في العالم الإفتراضي وعلى أرض الواقع: طريق الموت. عند مفترق زفتا على أوتوستراد الزهراني – النبطية، يقيم شومان ويشهد عشرات القتلى والمصابين في حوادث السير والصدم بسبب سوء حال الطريق. من على منبره التويتري نفسه، أطلق حملة شعبية موجهة نحو وزارتي الأشغال العامة والطاقة لإنقاذ العابرين من مصيدة الموت الذي ينتظرهم في الحفر والحاجز الوسطي القصير و«اللمبات المحروقة» على أعمدة الإنارة والإسفلت المتداعي. بعد وفاة الشاب علي جابر بانقلاب سيارة طارت من مسلك إلى آخر على طريق حبوش، بادر شومان وأصحاب مطعم العبدالله ومشاتل جبل عامل إلى تركيب 70 عاكساً ضوئياً لتحديد الرؤية الليلية تحت جسر حبوش. مبادرتهم لاقتها بلديات حبوش ودير الزهراني وزفتا التي قامت بإصلاح أعطال أعمدة الإنارة وتركيب لافتات تحذيرية وضوئية لتنبيه السائقين، قبل ان تعلن وزارة الأشغال أخيراً البدء بتأهيل الأوتوستراد.
أخيراً، و عبر حسابه على «تويتر»، عمم عناوين وأرقام عشرات الأطباء من مختلف الإختصاصات بين الجنوب وبيروت والبقاع، جاهزين لاستقبال المرضى من دون تقاضي أتعاب. عبر هاشتاغ «فقط لكل حدا مش قادر يدفع فحصية حكيم»، كان شومان يضيف بشكل متواصل أسماء أطباء جدد. والسبب، تفاعل أطباء لا يعرفهم سابقاً، مع مبادرته التي أسسها مع أقاربه وأصدقائه الأطباء.
يقر شومان بأن «السوشيال ميديا» عززت عمله وصداقاته وتأثيره الإجتماعي «لكنها استندت إلى مصداقية وسمعة حسنة» يتمتع بها. ببضع كلمات وكبسة زر تمكن من تكوين قضايا رأي عام، حتى صار من يريد إيصال شكواه من إجراء عملية إلى تأهيل طريق أو مساعدة عائلة فقيرة، يطلب مساعدة «تويتر أبو الفضل» الذي يوصل الشكوى إلى جمهور أكبر. مع ذلك، يدرك بأن لا شيء يعوض عن دور الدولة. «مبادراتنا يستفيد منها المئات. لكن الآلاف يعانون».