بعدما تقاطعت مواقف أكثرية القوى من مشروع الموازنة، وبعد قراءة متأنية للمقترحات التي تطرح وسرعان ما تسحب من التداول، في محاولات مدروسة لتمرير مهدئات لتدجين الرأي العام توطئة لتسريب الموازنة. وبما أنّ كل الدلائل تشير إلى أنّ الحكومة، بما تمثل، اتخذت قرار إفقار الشعب وتحميله أوزار السياسات التدميرية للاقتصاد وهدر المال العام... وبعدما باتت جلية مفاعيل املاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتزام اكثرية من هم في السلطة بهذه الاملاءات التي تشترط خصخصة القطاع العام وفرض الضرائب ورفع أسعار الخدمات العامة وصولا للقمة عيش المواطنين والانقضاض على الرواتب والمدخرات... يبدو واضحاً أن معظم المسؤولين يسعون لتحميل سلسلة الرتب والرواتب المسؤولية عن عجز الموازنة، ويضللون الرأي العام تبريراً لسياساتهم، وتهرباً من مواجهة تقصيرهم وتورطهم في نهب المال العام، تمهيداً للانقضاض عليها وحرمان الموظفين والأساتذة والمعلمين والعسكريين والمتقاعدين منها بعد تجميد رواتبهم لأكثر من عشرين سنة متتالية.في هذا السياق، لا بد من التأكيد أنّ قانون السلسلة صدر مترافقاً مع القانون رقم 45 الذي اقر بنود الواردات المحددة لتغطية أكلاف السلسلة، ومن بين بنوده رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة من 10% إلى 11%، ونسبة الضريبة على الودائع من 5% إلى 7%، اضافة إلى مجموعة من الإجراءات والرسوم والضرائب قدرت مداخيلها بأكثر من 1720 مليار ليرة. فلماذا تجهيل مفاعيل هذا القانون والتركيز على المفاعيل السلبية للسلسلة؟
ما سبق يؤكد أنّ إقرار الموازنة، بأي صيغة من الصيغ المتداولة، سيدخل اللبنانيين في أشد المراحل خطورة على حقوقهم ومكتسباتهم وعلى واقعهم المعيشي والاقتصادي والاجتماعي. فكل هذه الصيغ «تبشر» اللبنانيين بسلسلة من الإجراءات التدميرية، منها زيادة سعر صفيحة البنزين 5000 ليرة، وزيادة الضريبة على القيمة المضافة من 11% الى 15%، وخفض الرواتب والأجور والتعويضات والمعاشات التقاعدية والتقديمات الصحية والاجتماعية وصناديق التعاضد وفرض الضرائب على المعاشات التقاعدية وغيرها، وخصخصة المؤسسات المنتجة والمربحة في القطاع العام، والتهرب من فرض الضرائب على الذين اثروا من المال العام وفي مقدمهم المصارف والمستشفيات والمدارس الخاصة ومغتصبو الاملاك البحرية واصحاب المشاريع العقارية وتبرئة المتهربين من دفع الضرائب والرسوم.
لذلك، ومن موقع المسؤولية الوطنية والنقابية، نحذر الحكومة من إقرار موازنة كهذه لأنها بذلك تلعب بنار الشارع التي ستحرق الكثير من الاصابع والايدي. فليس من العقلانية أن يعتقد أركان السلطة أنّ اللبنانيين بيادق بين أيديهم يستطيعون تحريكهم كما يشاؤون. وليعلموا أيضاً أنّ هذه السياسات ومشاريع الموازنة بهذه الصيغ لن تمر بسلام.
وكما للسلطة سلاح التهويل والهروب إلى الامام والتعمية على السارقين والناهبين والسماسرة، فإن للبنانيين وللحركة النقابية وهيئات المجتمع الاهلي سلاح الموقف والمواجهة السلمية والديموقراطية وسلاح الشارع والإضراب والتظاهر والاعتصام وشل الإدارات العامة والمصالح المستقلة والمرافق كافة ومقاطعة أعمال التصحيح في الامتحانات الرسمية وصولا الى ثورة اجتماعية.
لم يعد بامكان السلطة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وعليها ان تتذكر جيدا تظاهرة الربع مليون لبناني عام 2006 التي اسقطت مشروع التعاقد الوظيفي ومشروع الخصخصة انذاك. ولتتذكر أيضاً التحركات في الشارع طيلة خمس سنوات بين 2012 و2017 لاقرار سلسلة الرتب والرواتب. وعلى السلطة أن تدرك اليوم أنّ الدوافع للتحرك والإضراب وغيرها أقوى وافعل من السابق. فالمواجهة اليوم ليست للحفاظ على السلسلة وحسب، بل لمنع الانقضاض عليها وعلى الرواتب والحقوق والمكتسبات والخدمات والمعاشات التقاعدية، اضافة الى رفع الاسعار وفرض الضرائب وصولا الى افقار الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.
اللبنانيون اليوم يعتبرون مواجهة بنود الموازنة التدميرية معركة مصير. والقيادات النقابية والاجتماعية والسياسية والشعبية، وفي مقدمها الأساتذة والمعلمون والموظفون والاجراء والمستخدمون في المؤسسات العامة والخاصة والمصالح المستقلة والمتقاعدون في الاسلاك المدنية والعسكرية، هم جميعا أمام التحدي الكبير الذي يفترض التعبئة العامة ودق نفير المعركة للمواجهة.

* نقابي