«عملتُ مجاناً لستة أشهر، كان خلالها صاحب مكتب الاستقدام يَهَبُني إلى آخرين كهدية. مرةً إلى عائلة خطيبة ابنه، ومرةً إلى ابنته وعائلة زوجها (...) إنها حياة أشبه بالسجن». تختصر شهادة بانشي، العاملة المنزلية الإثيوبية التي أتت الى لبنان قبل ثماني سنوات، واقع غالبية عاملات المنازل في لبنان.بانشي واحدة من 32 عاملة منزلية وثّقت منظمة العفو الدولية شهاداتهن في تقرير «بيتهم سجني: استغلال عاملات المنازل المهاجرات في لبنان» الذي تطلقه اليوم. وهو يسلّط الضوء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تتعرّض لها هؤلاء، ويوثّق حالات العمل الجبري والاتجار بالبشر، ويلفت الى منظومة التشريعات التي تحكم آلية العمل المنزلي في لبنان وتجعل غالبية العاملات عرضة للاستغلال وللانتهاكات. وليس لجوء بعض البلدان المُصدّرة للعمالة كالفيليبين والنيبال وإثيوبيا الى حظر سفر مواطنيها الى لبنان الا تأكيداً لذلك.
يوضح التقرير أنه في كل حالات الاتجار والعمل الجبري، لم تستطع العاملات ترك وظائفهن لأنهن كن يخشين عواقب تركه. أمّا السبب، فهو نظام الكفالة الذي ينصّ على أنه في حالة انتهاء علاقة العمل، حتى في حالات إساءة المعاملة، تفقد العاملة صفة الهجرة القانونية، ولا تستطيع تغيير صاحب عملها من دون موافقته، «الأمر الذي يسمح له بإرغامها على القبول بشروط عمل تقوم على الاستغلال... وإذا رفضت وقررت ترك عملها من دون موافقته، تصبح عرضة لفقدان صفة الإقامة واحتجازها وترحيلها».
من هنا كانت حملة «ضعوا حدّاً لنظام الكفالة: العدالة لعاملات المنازل المهاجرات» التي تطلقها المنظمة بالتعاون مع حركة مناهضة العنصرية، بالتزامن مع إطلاق التقرير.
مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو هبة مرايف لفتت الى أن نظام الكفالة «حوَّل المنازل الخاصة في العديد من الحالات إلى أكثر من سجون للعاملات اللواتي يعاملن بازدراء صادم وبقسوة بالغة». وأوضحت أنّ «الشهادات المرّوعة في التقرير تُظهر كيف يمنح هذا النظام أصحاب العمل سيطرة شبه كاملة على حياة العاملات ويؤدي إلى عزلهن ويضمن اعتمادهن على أصحاب العمل، ما يُسهِّل وقوع الاستغلال وغيره من الانتهاكات».
ويتضمّن التقرير مقابلات مع 32 من عاملات المنازل في فترة 2018 - 2019 أظهرت وجود أنماط مُتّسقة من إساءة المعاملة، من بينها إرغامهن على العمل لساعات طويلة، وحرمانهن من الحصول على أيام إجازة، وعدم دفع رواتبهن أو اقتطاعها، وفرض قيود مشددة على تنقلاتهن واتصالاتهن، وحرمانهن من الطعام والسكن اللائق والرعاية الصحية، وتعريضهنّ لإساءة المعاملة اللفظية والبدنية.
19 من هؤلاء قلن إنهن أرغمن على العمل لمدة تزيد على 10 ساعات يومياً، وسُمح لهن بفترة استراحة تقل عن ثماني ساعات متواصلة، فيما أشارت 14 منهن الى أنهن حرمن من أيام إجازاتهن الأسبوعية على رغم مخالفة ذلك لعقود العمل. وقالت خمس عاملات فقط إنه سُمح لهنّ بالاحتفاظ بجوازات سفرهن، وأفادت عشر منهن بأن أصحاب العمل لم يسمحوا لهن بمغادرة المنازل وأقفلوا الابواب على بعضهن، فيما أفادت أربع منهن فقط بأنهن يحظين بغرف خاصة بهن.
وذكرت غالبية اللواتي قابلتهن المنظمة أنهن تعرّضن لمعاملة مهينة وحاطّة بالكرامة الإنسانية على أيدي أصحاب العمل مرة واحدة على الأقل. وأكدت ست منهن تعرّضن لإساءة جسدية، وقال معظمهن إن أصحاب العمل لم يوفروا لهن رعاية طبية مناسبة عندما كنّ بحاجة اليها.
ونظراً إلى التداعيات النفسية التي تتسبّب فيها إجراءات الاستغلال وسوء المعاملة، أشارت ست نساء من العاملات الـ 32 الى أن افكاراً انتحارية راودتهن أو حاولن الانتحار نتيجة ظروف عملهن.
هذه المعطيات تنسجم ونتائج دراسات لمنظمة العفو الدولية أشارت الى أن نحو 94% من أصحاب العمل يحتجزون جوازات سفر العاملات لديهن، وأن 22% من هؤلاء يعمدون الى احتجاز العاملة نفسها. ولفتت الى أن 40% من العاملات تعرّضن للصراخ من قبل أصحاب العمل، و11% للإساءات الجسدية، و2% لإساءات جنسية، فيما نصف العاملات لا يمتلكن غرفاً خاصة بهن.
وتُقدّر أعداد العاملات المنزليات في لبنان بأكثر من 250 ألفاً، فيما تُفيد أرقام وزارة العمل بوجود 186 ألفاً و429 عاملة يحملن تصاريح عمل جديدة أصدرتها الوزارة في تشرين الثاني الماضي. هذه الشريحة الكبيرة من المُقيمين في لبنان تستدعي إجراءات من وزارة العمل، على رأسها إلغاء نظام الكفالة، السبب الأول لكل الانتهاكات.