قبل ستة أيام من تنظيم الانتخابات الفرعية في طرابلس، تلقّى تيار المستقبل «صفعةً نقابية»، تمثلت في سقوط تحالفه مع القوات اللبنانية في انتخابات نقابة المهندسين ــ الشمال. «الأقسى» أنّ الخسارة لم تحصل على يدَي حزب الله أو «بقوة السلاح» أو «ولاية الفقيه»، كما يحلو لـ«المستقبل» دائماً أن يُجيّش جمهوره، بل إنّ من أسقطه في الشمال هم أولاً حليفه في «الفرعية» تيار العزم، وثانياً التيار الوطني الحر وتجمّع الإصلاح وتيار الكرامة وحركة الاستقلال والشيوعي اللبناني والسوري القومي الاجتماعي واليسار الديمقراطي وجمعية المشاريع والنقيب فؤاد ضاهر والمهندس مرسي المصري.قد لا تكون الانتخابات النقابية مُرتبطة بـ«الفرعية»، ولكنّها بالتأكيد مؤشّر إلى الوضع غير الجيد الذي يُعاني منه تيار المستقبل، خاصّة أنّ مسؤولين في القوات اللبنانية يُرجعون سبب الخسارة إلى «التخبّط داخل تيار المستقبل، وانقسامه إلى أكثر من فريق». بهذه «النفسية»، يستعد التيار الأزرق لخوض الاستحقاق يوم الأحد. المؤشرات التي تصله، كلّها غير مطمئنة. سوداوية الوضع لا تتعلّق بعدم فوز المرشحة ديما جمالي بالمقعد النيابي، بل أن تكون نسبة الاقتراع متدنية جدّاً، فلا يتمكن «المستقبل» من استثمار النتيجة في السياسة وتدعيم «شرعيته الشعبية». لذلك سترتفع، في الأيام المقبلة، وتيرة «النزوح» المستقبلي من بيروت إلى طرابلس. وبعد أن «فرز» الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري نفسه للعمل بدوام كامل في عاصمة الشمال، سيزور طرابلس كلّ من رئيس الحكومة سعد الحريري، النائبة بهية الحريري، ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، الذي سيُشارك مع الوزير السابق أشرف ريفي في احتفال انتخابي في منطقة القبّة. وفي مقابل «فائض الحريرية» في إدارة العملية الانتخابية، و«الصمت الانتخابي» الذي تتميّز به جمالي، تغيب شخصيات مستقبلية/ طرابلسية عن الجو الانتخابي، وكأنّها غير معنية بـ«المعركة» التي اخترعها الأمين العام وتياره.
«لماذا يُدير أحمد الحريري الانتخابات؟ أين هو مصطفى علوش ومحمد كبارة وسمير الجسر و(منسّق المستقبل في طرابلس) ناصر عدره؟»، تسأل مصادر سياسية طرابلسية حليفة لـ«المستقبل» في الاستحقاق الانتخابي. السؤال هو للقول إنّ «جزءاً أساسياً من العمل السياسي يهدف إلى جعل الانصار معنيين بالصراع الانتخابي، حتى يتشجّعوا على العمل. هذا الأمر مفقود حالياً». النقطة الإيجابية الوحيدة للتيار الأزرق، بحسب المصادر، أنّه يملك خطاباً سياسياً... لكن من دون أخصام سياسيين، «إلا أنّ مشكلته الكبرى تكمن في أنّه لا يملك أدوات المعركة اللازمة، وتكاد الكأس تفيض من الأخطاء التي راكمها طيلة السنوات السابقة». وتُعيد المصادر التشديد على نقطة مهمة أنّه «لا يُمكن فرض ديما جمالي بهذه الطريقة، بالاتكال على أنّها أستاذة جامعية ومثقفة. الطرابلسيون يأخذون موقفاً سلبياً من أي شخص يُحاول التكبّر عليهم، ولا يتصرّف معهم بشعبوية». من النِعم الحاصل عليها تيار المستقبل، «غياب أي منافس جدّي في وجهه، وإلا لكان أطاح جمالي. يراهن التيار حالياً على أن تؤدي زيارة رئيس الحكومة إلى ارتفاع نسبة التصويت قليلاً».
تراجع الأحدب عن موافقته على الانسحاب لصالح مولود


هل هذا يعني وجود فرصة للخرق من قِبل أحد المُرشحين الآخرين (مصباح الأحدب، يحيى مولود، عمر السيد، طلال كبارة، محمود الصمدي، حامد عمشه، نزار زكا)، فيتكرر سيناريو الانتخابات البلدية، يوم ربحت اللائحة التي دعمها ريفي ضدّ لائحة تحالف المستقبل ــ العزم ــ تيار الكرامة ــ محمد الصفدي؟ تردّ المصادر السياسية الطرابلسية بوجود صعوبة لذلك، «لأنّه في البلدية كان هناك 24 عضواً، أقل واحد فيهم قادر على تأمين 200 صوت، مع وجود مندوبين لهم في كلّ المراكز الانتخابية، فضلاً عن كونهم أبناء العائلات الطرابلسية القادرة على التقاط النبض الشعبي في الوقت نفسه». لا يملك المرشحون الحاليون هذا «الترف». فتقول المصادر إنّ شغل الانتخابات «حرفة لا يملك أدواتها الجميع. مصباح الأحدب يمتهن جيداً كيفية خوضها، ولكن مشكلته أنّه فقد المصداقية لدى الناخبين». أما يحيى مولود، فلا يزال «غير قادرٍ على التأثير في الطبقات الشعبية». فالمنطقة التي ينتشر فيها هؤلاء «كبيرة وبحاجة إلى جهد وإمكانات كثيرة، لا أحد خارج التكتلات المادية الضخمة قادرٌ على تلبية حاجاتها». مثلاً، واحدة من الحالات التي يواجهها مولود باستمرار هي سؤاله من قبل أبناء الطبقات المحرومة، «لماذا تترشح إلى الانتخابات إذا كنت لا تملك المال أو القدرة على شراء الدواء لنا؟». ويُخبر أحد المرشحين أنّه «حين نبدأ حديثنا، خلال لقاءاتنا في المناطق الشعبية، يكون الجميع ضدّ السلطة. لا تدوم هذه الحالة طويلاً، فيعود الناس إلى الطلبات المعيشية». كيف سيكون إذاً توجّه أبناء الأحياء الشعبية في طرابلس؟ لا أحد يملك الجواب، «ولكن المستقبل يُحاول دخولها عبر دفع المال. إذا لم يُخصّص لها ميزانية كبيرة، فستكون مُتحرّرة، فتأتي النتيجة عكس المتوقع. وهنا رهان المرشحين المستقلين».
على الرغم من وفرة المرشحين المستقلين، إلا أنّ تيار المستقبل يتصرّف كما لو أنّ خصمه الوحيد هو يحيى مولود. يتجلّى ذلك بالأخبار التي تُنشر ضدّ مولود، بدءاً من عمله في «مجموعة تحسين خياط»، وعلاقته مع الوزير جبران باسيل «غير المحبوب في طرابلس، وللإيحاء بأنّ مولود لا يختلف بشيء عن الطبقة السياسية»، وصولاً إلى زيارته سوريا واتجاه الناخبين في جبل محسن إلى الاقتراع له. حاول مولود تعزيز وضعه الانتخابي، من خلال توحيد الأصوات المستقلة قدر الإمكان حول شخصه؛ فتواصل مع الأحدب، وكتبا ورقة تنصّ على انسحاب النائب السابق لمصلحة مولود، وقد وافق الأول عليها، إلا أنّه ما لبث أن بدّل رأيه، مراهناً على انسحاب مولود له، لتكون النتيجة استكمال الاستعدادات ليوم الأحد بوجود ثمانية مرشحين.