عناوين الاشتباك الحكومي الأبرز: ملف النزوح، محاربة الفساد والأزمة الاقتصادية
ففي ما خصّ النزوح السوري، فريقا رئيس الجمهورية و8 آذار يُصرّان على إعادة النازحين إلى بلادهم، مقابل عدم شذّ الحريري ومكونات «14 آذار» السابقة عن تطبيق الأجندة الدولية، الراغبة في بقائهم حيث هم. لم يعد «المجتمع الدولي» يخجل من التعبير عن ذلك، بذريعة أنّ السوريين غير متحمّسين للعودة إلى بلادهم لانعدام الأمان. رئيس الجمهورية ميشال عون أوصل أمس رسالةً إلى جزءٍ من هذا «المجتمع الدولي»، فأكد أمام وفد برلماني من دول أوروبية عدّة، أنّ لبنان «يعمل مع المراجع الدولية لتحقيق عودة آمنة للنازحين السوريين، لكنّه يصطدم بمواقف من بعض الدول التي تُقدّم الحل السياسي للأزمة السورية على عودة النازحين». وأشار عون إلى أنّ التقارير التي ترد «والمعطيات المتوافرة لدى مسؤولي المنظمات الدولية، تُشير إلى أنّ النازحين السوريين الذين عادوا إلى بلادهم تتوافر لهم الظروف المناسبة للعودة». وشدّد الرئيس على «أهمية دفع المنظمات الدولية المساعدات للنازحين العائدين. فمؤتمر القمة العربية الاقتصادية اتخذ قراراً بضرورة دفع المساعدات للنازحين في أماكن عودتهم». وقد لاقى النواب الأوروبيون عون في منتصف الطريق، فنقلوا «دعم أحزابهم للبنان والمواقف التي تصدر عن رئيس الجمهورية، وضرورة بذل المجتمع الدولي، ولا سيما الدول الأوروبية، جهوداً إضافية لتحقيق هذه العودة الآمنة». أما رئيس الوفد، رئيس حزب «التحالف من أجل السلام الأوروبي» روبرتو فيوري، فشدّد على أنّ «الوقت حان لإيجاد حلّ لها من قبل الجميع». وفي الإطار نفسه، عبّر رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمس أمام زواره عن تأييده لكلّ ما قاله رئيس الجمهورية في ملف النازحين. أما الحزب التقدمي الاشتراكي، فيُنظّم يوم الاثنين مؤتمر «لبنان والنازحون من سوريا، الحقوق والهواجس ودبلوماسية العودة»، يُشارك في جلسته الافتتاحية وزيرا الشؤون الاجتماعية والتربية وممثلة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ميراي جيرار والنائب السابق وليد جنبلاط، فيما يغيب عنه وزراء الخارجية والصحة والدولة لشؤون النازحين، بما يؤشّر إلى هوية المؤتمر وتوجهه.
العنوان الثاني للاشتباك هو مكافحة الفساد. رغم كلّ الحملات التي تُنظّم في هذا الخصوص، من إصلاح القضاء ومكافحة الفساد في قوى الأمن الداخلي، وملف تزوير الشهادات الجامعية، والتي تُعطي انطباعاً إيجابياً، ولكن لا تزال ردّة فعل الرأي العام تجاهها غير جدية، طالما أنّ الغطاء لم يُرفع عن مسؤولين كبار. لا يزال هؤلاء يحظون بالحماية والحصانة اللتين تحولان دون الوصول إلى أهداف فعلية في مكافحة الفساد. أبرز مثال على ذلك، هو الخط الأحمر الطائفي والسياسي الذي وفّره تيار المستقبل لفؤاد السنيورة.
أما العنوان الأخير، فهو الخطة الاقتصادية للبلد. الاشتباك هنا يظهر، انطلاقاً من البرنامج الذي أطلقه باسيل. فقد حدّد وزير الخارجية ثلاث نقاط لخفض عجز الموازنة:
خفض حجم القطاع العام: تظهر جبهتان، الأولى تضم التيار العوني وتيار المستقبل والقوات اللبنانية، والثانية فيها حزب الله وحركة أمل الرافضين للمسّ بوظائف القطاع العام، فيما موقف الحزب الاشتراكي غير ثابت.
خفض الفوائد على خدمة الدين العام: يرفض تيار المستقبل المسّ بالفوائد، وقد أعلن الحريري (بصفته صاحب مصرف) في ختام جلسات الثقة، أنّ المصارف جاهزة للمساعدة على خفض العجز، شرط أن تكون الإصلاحات قد أُنجزت. و«الإصلاحات» من وجهة نظر الحريري، تعني: خفض كلفة القطاع العام وزيادة الأعباء الضريبية على ذوي الدخل المحدود والمتوسط، عوض إصلاح النظام الضريبي وخفض كلفة الدين العام. جبهة المواجهة ضدّ الحريري والقوات اللبنانية تضمّ «التيار» وحزب الله وحركة أمل.
خفض عجز الكهرباء، وزيادة الإنتاج على مرحلتين: انتقالية وبعيدة المدى. الجميع متفقون على هذه النقطة، ولكن الاختلاف هو حول مصادر الطاقة في المرحلة الانتقالية لمدة سنتين. فهل تكون عبر مولدات على البرّ، أو البواخر، أو استجرار الطاقة من سوريا ومصر والأردن؟
تترافق ملفات الاشتباك هذه مع الضغوط الأميركية الممارسة على رئاسة الحكومة وبقية قوى «14 آذار»، من أجل إعادة تجميع نفسها ومواجهة حزب الله، تزامناً مع تشديد العقوبات عليه وعلى إيران. الحِمل على الحكومة ثقيلٌ جدّاً. وأمام هذا الواقع، ستبقى «حكومة اشتباكات»، مُقيّدة بعدم القدرة على بدء العمل الجدّي، ومُهدّدة بالانفجار في أي لحظة، ولو أنّ أحداً لا يُعبّر عن مصلحة في ذلك.