بتاريخ 13 شباط الماضي، وقّعت إدارة «تاتش» المشغّلة لإحدى شبكتَي الهاتف الخلوي المملوكتين من الدولة اللبنانية، عقداً رضائياً مع شركة «باورتك» (powertech) اللبنانية بقيمة 13 مليون دولار أميركي سنوياً، يقضي بتلزيمها أعمال صيانة محطات البث في مختلف المناطق اللبنانية.وفق معلومات «الأخبار»، فإنّ من المُقرّر أن «تستعين» شركة powertech بعدد كبير من موظفي قسم الصيانة في شركة «تاتش»، على أن يقبض هؤلاء رواتبهم من الأخيرة لا من «باورتك»! ويُقدّر عدد موظفي الصيانة في «تاتش» بنحو أربعين موظفاً، فيما تُشير المعطيات الى استعانة «باورتك» بـنحو ثلاثين منهم. بهذا المعنى، تكون «تاتش» المملوكة من الدولة قد «أعارت» نحو 75% من موظفي الصيانة العاملين لديها الى شركة أخرى لن تتكبّد عناء دفع رواتبهم التي ستُدفع من المال العام!
قبل تعاقدها مع الشركة الجديدة، كانت أعمال الصيانة في «تاتش» موزّعة على ثلاث مناطق: منطقة بيروت وجزء من جبل لبنان ويتولاها فريق الصيانة في «تاتش»، منطقة الجنوب وجزء من جبل لبنان وتتولاها شركة «صيدون»، ومنطقة الشمال والبقاع وكانت تتولاها سابقاً شركة «إنفورما»، ومن ثم شركة «أوراكسل»، قبل أن يتم فسخ عقدها بعد فترة قصيرة من توليها عام 2016 لينوب عنها في ما بعد فريق «تاتش». وبالتالي، فإنّ فريق الصيانة في «تاتش» كان يغطي مناطق بيروت والشمال والبقاع وجزءاً من جبل لبنان. وعليه، استغنت «تاتش» عن شركة «صيدون» واستبدلتها بشركة «باورتك»، على أن تغطي الأخيرة أعمال الصيانة في مختلف المناطق اللبنانية.
مصادر مُطّلعة على الملف قالت لـ«الأخبار» إن مجموع ما كانت تتقاضاه شركتا «إنفورما» و«صيدون» يُقدّر بنحو مليون ونصف مليون دولار، «فيما سيعود لـ«باورتك» نحو 4.5 ملايين دولار ربحاً صافياً لها بفعل تسعيرة عقدها». وتوضّح المصادر في هذا الصدد: «تبلغ قيمة العقد نحو 13 مليون دولار، نحو ستة ملايين ستعود لتغطية تكاليف تأمين المازوت لمولدات المحطات ونحو مليون دولار لتأمين بعض التجهيزات، فضلاً عن أن التكلفة الفعلية لتغطية مختلف مناطق لبنان مقدرة بنحو مليون ونصف مليون دولار، أمّا الرواتب فكلفتها نحو ثلاثة ملايين دولار أميركي، ما يعني أن من المفترض أن يتبقى للشركة نحو مليون ونصف مليون دولار كربح لها». ولكن، وبما أن الشركة لن تدفع رواتب الموظفين المقدرة بثلاثة ملايين دولار، تكون الشركة قد تقاضت، وفق المصادر، أكثر من أربعة ملايين دولار كأرباح لها! إلى ذلك، تُفيد المعطيات بأنّ السيارات المخصصة لأعمال الصيانة والتابعة لـ«تاتش» ستكون بتصرّف «باورتك» أيضاً.
والجدير ذكره أن دراسة معدّة من قبل بعض تقنيّي «تاتش» ومُقدّمة الى الإدارة سبق أن خلصت الى أن الشركة قادرة على الاستغناء عن تلزيم شركات أخرى وقيام فريقها بنفسه بأعمال الصيانة من خلال دفع كلفة إضافية لا تتجاوز المليون و700 ألف دولار أميركي.
هذه الوقائع تطرح الكثير من التساؤلات حول المعايير التي اعتمدت لتحديد تكلفة العقد وحول سبب عدم إقدام «تاتش» على تنظيم مناقصة لاستدراج عروض أفضل، ربما، فضلاً عن أنها تثير شكوكاً كثيرة لجهة «التكتّم» عن العقد (إذ تؤكد مصادر في «تاتش» أن المعنيين في الشركة يجهدون لـ«إخفاء» العقد وعدم الإعلان عنه وعرض تفاصيله).
السيارات المخصصة لأعمال الصيانة التابعة لـ«تاتش» ستكون بتصرّف «باورتك»


«الأخبار» حاولت التواصل مع المعنيين في «تاتش» للوقوف على هذه القضية ولمعرفة المزيد من التفاصيل حول عملية التلزيم، إلّا أنها أُخبرت بأنّ هذه المعلومات «سرية»، وبالتالي لا تستطيع التصريح، علماً بأن شركة «تاتش» تملكها الدولة اللبنانية، والأموال التي ستُنفق هي من المال العام، ما يعني أن كل المعلومات المالية يجب أن تكون علنية، وكذلك تفاصيل العقد وملابساته. ما هي مدة العقد؟ هل صحيح ما يجري التداول به عن كونه يمتد على 10 سنوات ولا يمكن الدولة أن تفسخه إلا بعد مضيّ خمس سنوات على توقيع العقد؟ ولماذا لم تنظّم الشركة مناقصة من أجل تلزيم الصيانة؟ وما هو موقف وزارة الاتصالات من هذا الأمر؟ وفق العقد الموقع بموجب الاتفاقية، الشركة ستستعين بفريق «تاتش»، فإذا كان لدى الأخيرة فريق تقنيّ قادر على إجراء أعمال الصيانة، فلماذا عليها تلزيم هذه المهمة إلى شركة أخرى؟ ما هي قيمة العقود التي كانت «تاتش» قد وقّعتها مع شركتَي «صيدون» و«إنفورما»؟ إدارة «تاتش» لم تجب عن أسئلة «الأخبار»، واكتفت بـ«التذكير» بأنّ شركة «ألفا» سبقتها ولزّمت شركة «باورتك». وقد راسلت «الأخبار» إدارة «باورتك»، لكنها لم تلق تجاوباً أيضاً.
بدورها، قالت إدارة «ألفا» لـ«الأخبار» إنّ الشركة نظّمت مناقصة وقامت باستدراج العروض ورست المناقصة على الشركة المذكورة، مُشيرةً إلى أن «ألفا» ليس فيها «فريق للقيام بمثل هذه الأعمال التي ليست من صلب عملها كمُشغّل اتصالات رقمي، وهذا الوضع قائم منذ انطلاقة الشركة عام 1994 حيث تم تلزيم هذه الأعمال إلى شركة مختصة في هذا المجال». أضافت: «ما حصل أخيراً هو استمرارية لسياسة الشركة في البحث عن أفضل العروض عبر إجراء مناقصات دورية على كل الصعد، بما فيه هذا النوع من الصيانة». أمّا عن قيمة العقد ومدّته، فقد اعتذرت «ألفا» بدورها عن عدم الإجابة عن هذا السؤال، محيلة الإجابة على «وزارة الاتصالات كونها مالكة القطاع».