من المألوف في الدول الغربية أن تلجأ الأحزاب السياسية إلى «تكتيك تجميلي» يتعلّق بتغيير عناصر هويتها، بعد مرحلة سياسية فاشلة، فتسعى إلى تقديم «مُنتج جديد» إلى الرأي العام. في معرض إعادة طرح نفسه، لم يلجأ حزب الكتلة الوطنية إلى هذه «التجميلات». ها هو يعود إلى الظهور سياسياً، بعد سنوات من الانكفاء، مُرتكزاً إلى تاريخ الحزب والعناصر الشكلية القديمة. يُراد من «الإرث» أن يكون عامل دفعٍ و«ثقة»، يسهّل انتشاره بشكل أسرع بين اللبنانيين. المهمّة لن تكون سهلة بالتأكيد، لأسبابٍ عدّة، منها أنّ عودته تتزامن مع غياب تامّ لمفهوم العمل الحزبي الحقيقي، وقد حلّت مكانه العصبيات الطائفية والمناطقية. هناك سبب «ذاتي» أيضاً، وهو أنّ «الكتلة» يرجع بعد سنوات طويلة من الغيبوبة السياسية. بقي الاسم والهيكلية الحزبية، ولكن من دون أي تفاعل مع الواقع اللبناني. ما كان الموقف من قانون الانتخابات؟ من السياسات النقدية والاقتصادية؟ من ملفات الفساد؟ من اختطاف رئيس الحكومة سعد الحريري؟ من أزمة النفايات؟ لا شيء. وحتى أمس، خلال إعادة إطلاق الحزب في مقرّه في الجميزة، رُفعت عناوين مُكررة. فالجميع في البلد ينتقد «الزبائنية، الإقطاعية، الطائفية السياسية، التبعية، الفساد». أركان النظام البائد أنفسهم، يحملون شعارات «إصلاحية». على درب هؤلاء، سار الكتلاويون الجُدد، برفع سقف توقعاتهم ووعودهم، وكأنّ التغيير المنشود قاب قوسين من التحقيق، وبإعادة بثّ شعارات مُكررة. فما الجديد بطرح «الكتلة الوطنية»، الذي من الممكن أن يُثير الجيل الجديد كفاية، حتى يُرغّبه بالعمل الحزبي، ويضع ثقته «بالكتلة»، بعد تجارب «انهزامية» عديدة؟ وما الذي يضمن أن لا تخمد نار الكتلة الوطنية من جديد بعد فترةٍ؟ يعتبر النائب السابق، وعضو اللجنة التنفيذية، روبير فاضل أنّ الطموح كبير «والعبرة ستكون بالممارسة. نعرف أنّ النتيجة لن تظهر بعد ستة أشهر، فهذا مشروع طويل ونبني حركة سياسية للجيل الجديد». يوم قدّم نائب طرابلس استقالته من البرلمان، كانت الحجّة أنه لم يستطع تحقيق أي شيء للناخبين. فعلى أي أساس يعود، هو وغيره، اليوم طالبين من الناخبين أنفسهم وضع ثقتهم بهم؟ «كلّ الأحزاب ترفع هذه المبادئ نعم، ولكنني استقلت لأنني لم أجد أي حزب، مثل الكتلة الوطنية، يُمارسها»، يقول لـ«الأخبار». البند «الإصلاحي» الذي أُضيف، هو تحويل الحزب من العائلية إلى «المؤسساتية»، ليكون كارلوس ادّه آخر «العمداء» في حزب عائلته. حُوّلت الصلاحيات إلى اللجنة التنفيذية، ويرأسها «الأمين العام» للكتلة الوطنية، بيار عيسى. أما إدّه، فقد انتُخب رئيساً لمدّة سنة واحدة، يعود بعدها إلى ممارسه حزبيته كعضو فيه، مثله مثل أي «رفيق» آخر. يُسجّل لكارلوس، أنّه قد يكون الوريث الوحيد في البلد الذي «يتنازل» عن تركته. بصرف النظر عن دقة ما يُقال، ولكن يُعرف «الكتلة» بأنّه حزب «الأوادم»، ويجري التغنّي دائماً بـ«تاريخه المُشرّف». مع ذلك، لم يكن كارلوس مُتمسّكاً بما تبقّى من الحزب، الذي تحوّل في السنوات الأخيرة إلى «رمزٍ معنوي» أكثر من أي أمر آخر. المُستغرب هو أن يعود اليوم إلى الساحة، رغم تعبيره سابقاً عن «قرفه» من الحياة السياسية اللبنانية، مُفضّلاً الابتعاد عن المشهد العام. «كنت أنتظر الظروف لتتغير حتى أتمكن من ممارسة السياسة كما أُحبّ»، يقول إدّه لـ«الأخبار»، مُضيفاً إنّه في الماضي، «كنت أشعر بأنني ببغاء أُكرر المواقف نفسها أسبوعياً، من دون أن أُقدّم شيئاً للمجتمع». حالياً، «انتسب أشخاص جدد، لديهم نفس حديث، بعدما كان معدل الأعمار في الحزب قد أصبح مرتفعاً. وسنستعمل وسائل جديدة بالتواصل، مع الإبقاء على مواقفنا السيادية، والتركيز على معالجة مشاكل الناس الاقتصادية والاجتماعية».
يدعو «الكتلة» إلى التحول من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المُنتج


البيت المركزي الجديد للكتلة الوطنية، لا يزال ورشة. كلّ غرفة فيه خُصّصت لعرض قسمٍ مُعيّن: تاريخ الحزب، فريق الكتلة، المبادئ... الخلفية التي يأتي منها «الكتلاويون الجُدد»، في عملهم داخل «جمعيات مدنية»، أو مؤسسات خاصة، انعكست على المشهد العام، وتقديم الأفكار بطريقة منهجية. العرض التقديمي تضمن صوراً من الأرشيف، وتبسيط الأفكار إلى عناوين عامة وفرعية. الأمر الوحيد الذي لم يؤخذ بعين الاعتبار، هو التنسيق بين المساحة الصغيرة المُتاحة لاستقبال الناس، وعدد المدعوين الكبير. أُسوةً ببقية الموجودين، كان كارلوس ادّه يجول في أرجاء المنزل العتيق، يُرافقه بيار عيسى في جولة تعريفية... باللغة الفرنسية.
خلال كلمته عن السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، قال عيسى إنّ «حلولنا قائمة على كلمة واحدة: الثقة ثمّ الثقة ثمّ الثقة، والبلد ليس مفلساً إنّما الطبقة السياسيّة التي تحكمنا منذ عقود هي المفلسة... عندما نستعيد هذه الثقة سترون كيف أنّ الضغط على الليرة سيتراجع، والنمو سيعود والهدر سيتوقّف والكهرباء ستتأمّن».
كلام عيسى، التحفيزي والتفاؤلي، لا يُشكّل حلاً للكارثة الاقتصادية التي ستصيب البلد. فـ«الثقة» وحدها، غير قادرة على اجتراح المعجزات، وإيجاد الحلول. الأمر بحاجة إلى اجراءات انقاذية، تقي الفئات المهمشة والطبقة المتوسطة تحمّل وزر الأزمة. فما هو موقف «النيو» كتلة وطنية من ذلك؟ يردّ روبير فاضل بأنّ الحزب، الذي يدعو إلى التحول من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المُنتج، لديه «سياسة اقتصادية قائمة على العدالة الاجتماعية. نحن مع إعادة توزيع الثروات من خلال الضرائب التصاعدية، بعد أن نكون قد خففنا السرقة والفساد».