وضعت اللجنة الوزارية المكلفة وضع البيان الوزاري أمس تعديلاتها «اللغوية البسيطة» (كما أعلن الوزير جمال الجرّاح بعد انتهاء الاجتماع)، على الصيغة النهائية من البيان، على أن يُقَرّ في جلسة لمجلس الوزراء تُعقد ظهر اليوم. لم يحتج الأمر إلى أكثر من ثلاثة اجتماعات، ومن دون نقاشات حقيقية تُصيب عمق الواقع المأزوم الذي يُقبل عليه البلد. هذا «البيان العاجل» لحكومة واحدة من أخطر المراحل الاقتصادية والمالية التي يمرّ بها لبنان، أراد التحالف الحاكم تصويره «كإنجازٍ» جديد له، علماً أنّه يُفترض أن يكون دليلاً خطيراً على أسلوب الحكم في المرحلة المقبلة. الأمر الوحيد الإيجابي من كلّ هذا الأمر، أنّ البيانات في لبنان شكلية، وتنتهي غالباً في الأدراج. إلا أنّ الخطوط العريضة للبيان الوزاري، والطريقة التي جرت وفقها جلسات المناقشة، مؤشرات مقلقة وتدلّ على خطورة العقل الذي يتحكم بالقرار السياسي الحقيقي في البلد. ساعات قليلة كانت كافية لعشرة وزراء حتى يبتّوا خريطة الطريق لقرارات تمسّ حياة الناس على المستويين الاقتصادي والمالي، من دون إدخال أي تعديلات جوهرية على ما هو معتمد منذ أكثر من ربع قرن من الزمن. كلّ الأحزاب التي تحمل لافتة «مكافحة الفساد» و«الإصلاح» و«بناء الدولة»، قرّرت فجأة وضع خلافاتها جانباً، والاتفاق على إقرار كلّ ما من شأنه أن يعمّق أزمات اللبنانيين المعيشية. الأزمة المالية والاقتصادية التي تتهدد البلد حقيقة ثابتة، ومع ذلك لم يُذكر في البيان الوزاري أي بند له علاقة بالإصلاح الحقيقي، الذي يجب أن يطاول قبل كلّ شيء النظام الضريبي، وخفض كلفة الدين العام (خفض نسب الفائدة، أو إعفاء الدولة من جزء من الدين). «الإصلاح» الوحيد الوارد في البيان، أتى على شكل الشروط التي نصّ عليها مؤتمر باريس 4 - «سيدر» - والتي تُحمّل كلفة الإصلاح لذوي الدخل المحدود والمتوسط، وتُعفي أصحاب الثروات (الثروات التي تراكمت كنتيجة مباشرة للنموذج الاقتصادي الذي أوصل البلاد إلى أزمتها الحالية) من أي مشاركة في كلفة الخروج من الأزمة.إلا أنّ الجرّاح أكّد بعد انتهاء جلسة أمس، أنّ مقاربة الوضع الاقتصادي «أخذت الوقت الطويل من النقاش. نحن ملتزمون خفض عجز الموازنة، عبر زيادة الواردات وخفض النفقات، وزيادة الواردات لا تعني أبداً زيادة الضرائب، فهناك العديد من المصادر. خلال كل المداولات، كان الحرص على زيادة حجم الاقتصاد وتخفيف النفقات، وبالتالي تخفيف العجز». وقال إنّ التحفظ الوحيد ورد من قبل القوات اللبنانية «حول طلبهم أن تكون المقاومة من ضمن مؤسسات الدولة الشرعية، ولم يؤخذ بهذا النص. كذلك كان هناك تحفظ آخر يقول بالوصول إلى الهدف المنشود بعد إعادة القرار الاستراتيجي العسكري والأمني كاملاً للدولة اللبنانية. وقد رأت اللجنة بمعظم أعضائها، ما عدا ممثلي القوات اللبنانية، أن الصياغة المعتمدة في البيان الوزاري تكفي بما هو وارد فيها». وتنص الفقرة المذكورة على الآتي: «أما في الصراع مع العدو الإسرائيلي، فإننا لن نألو جهداً ولن نوفر مقاومة في سبيل تحرير ما بقي من أراضٍ لبنانية محتلة وحماية وطننا من عدو لما يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية، وذلك استناداً إلى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه، تؤكد الحكومة واجب الدولة وسعيها لتحرير مزراع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتى الوسائل المشروعة. مع تأكيد الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي وردّ اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة».
بري يلفت إلى استغلال العدو لمساحة محاذية للحدود البحرية الجنوبية


وفي الإطار المالي أيضاً، غرّد الوزير علي حسن خليل، كاتباً أنّه «بالشق الاقتصادي والمالي راعى البيان الكلام الذي كنا دائماً نقوله عن ضرورة الانخراط بإصلاحات تساهم بخفض العجز وبتحسين الوضع المالي. العبرة اليوم بالتنفيذ». وأضاف: «أشرنا بشكل واضح إلى ضرورة الانتهاء من ملف الكهرباء الذي وحده يمكن أن يوفر 30 إلى 33 % من عجز الموازنة. دراساتنا تقول إنّه عندما نستطيع تأمين 24/24 للمواطن، فإنّ الإجراءات الأخرى مهما كانت ستكون أقلّ كلفة على المواطن». من جهته، قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي، إنّه «إذا ما أقر مجلس الوزراء اليوم البيان الوزاري، أعتزم الدعوة إلى جلسة الثقة صباحاً ومساءً يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، وبعد ظهر الجمعة إذا اقتضى الأمر».
وكان الرئيس ميشال عون قد استقبل أمس الوزيرين أكرم شهيب ووائل أبو فاعور، موفدين من رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط. وقال أبو فاعور بعد اللقاء إنّ «التسوية الوزارية التي حصلت والتي بموجبها قدّم جنبلاط تضحية ما في التمثيل الوزاري، هي تسوية وتفاهم جرى بيننا وبين الرئيس وليس مع أي طرف آخر. ونحن ما زلنا في موقع الحرص على هذه التسوية، واستمعنا من الرئيس إلى ما يؤكّد ويشدد على الحرص على هذا التفاهم». أما بالنسبة إلى العلاقة بين رئيس الحكومة سعد الحريري و«الاشتراكي»، فوصفها أبو فاعور بـ«العلاقة التاريخية وليست مستجدة، وقد حصلت اختلافات، وهي تحصل دائماً في السياسة، وجرى الاتفاق منذ يومين على تهدئة السجالات الإعلامية، ونستطيع اليوم أن نقول إننا دخلنا في مرحلة الحوار المباشر، وهناك قضايا تحتاج إلى نقاش بيننا وبين الحريري».
من ناحية أخرى، لفت رئيس مجلس النواب، خلال لقاء الأربعاء النيابي، إلى «أمر خطير يتعلّق بما أقدمت وتُقدم عليه إسرائيل من تلزيم واستغلال لمساحة محاذية للحدود البحرية الجنوبية للبنان. هذا الأمر يُشكّل تعدّياً على السيادة اللبنانية ويستهدف مخزوننا وثروتنا النفطية ومياهنا. هذه المسألة لا يمكن السكوت عنها، وسأثير هذا الموضوع غداً مع رئيس الحكومة الإيطالية الذي يزور لبنان ومع المسؤولين وجهات دولة معنية». وأضاف أنّ لبنان «لزّم البلوك التاسع لثلاث شركات إيطالية وفرنسية وروسية، وهذا الاعتداء الإسرائيلي يأتي على الرغم من أنّ الشركات ابتعدت 25 كيلومتراً داخل الحدود اللبنانية الجنوبية البحرية».

* النص الكامل للبيان الوزاري