يشير الخبر المنشور على صفحة الوكالة الوطنية للإعلام إلى أن لجنة المال النيابية ستنعقد عند العاشرة والنصف من قبل ظهر اليوم، لدرس جدول الأعمال الآتي: مشروع القانون الوراد بالمرسوم رقم 3923 الرامي إلى طلب الموافقة على إبرام اتفاقية قرض مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي...
مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 3924 الرامي إلى طلب الموافقة على إبرام اتفاقية قرض مع الوكالة الفرنسية للتنمية...
مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 3925 الرامي إلى طلب الموافقة على إبرام اتفاقية قرض واتفاقية تنفيذية مع البنك الدولي للإنشاء والتعمير...
هو خبر كان ليكون عادياً، لو أن البلاد لا تعيش في ظل حكومة تصريف أعمال منذ عشرة أشهر. لكن بما أنه لا حكومة مكتملة الصلاحيات، فورود هذه المشاريع إلى المجلس النيابي يشكل بحد ذاته أمراً مفاجئاً، ويصب في خانة المخالفة الدستورية.
فما سيُدرس هو عبارة عن مشاريع قوانين محالة إلى المجلس النيابي، لكن من دون موافقة مجلس الوزراء، كما يفرض الدستور ذلك في المادة 52، فكيف حصل ذلك؟
تشير مقدمة الإحالة في المراسيم الثلاثة إلى أن «رئيس الجمهورية بناء على الدستور، ولا سيما المادة 52 منه، وبناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء ووزراء الخارجية والأشغال والمالية، وبعد أن يقترن الموضوع بالموافقة الاستثنائية، على أن يعرض لاحقاً على مجلس الوزراء على سبيل التسوية، يرسم ما يأتي...».
هذا يعني أن الموقّعين على الإحالة اختصروا بأشخاصهم مجلس الوزراء مجتمعاً، كما تخطوا المادة التي يبنون عليها الإحالة نفسها. فالمادة 52 تقول بوضوح إن الاتفاقيات الدولية «لا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء...». وهذا يعني أن الدستور يربط الإحالة على المجلس النيابي بإبرام مجلس الوزراء للاتفاقية.
سقطت من المشاريع الثلاثة عبارة «بعد موافقة مجلس الوزراء»، التي تتضمنها إحالات رئيس الجمهورية لمشاريع القوانين، عادة. وحل محلها عبارتا «الموافقة الاستثنائية» و«على سبيل التسوية»؟ أي فتوى دستورية تجيز ذلك؟ ليس واضحاً. والأهم، ماذا لو أقر مجلس النواب المشاريع المعروضة عليه، ثم جاء مجلس الوزراء ورفض الاتفاقية؟ هل التسوية تعني في ما تعنيه أن موافقة الحكومة المقبلة عليها هو أمر ملزم لها، أو على الأقل مضمون؟ ألا يتناقض ذلك مع مبدأ فصل السلطات؟
توقيع المراسيم، بشكل استثنائي، وبما يتخطى تصريف الأعمال، ليس جديداً. وقد حفلت الفترة الماضية بتوقيع مراسيم عادية، لكنها المرة الأولى التي يصل فيها الأمر إلى حد اختصار مجلس الوزراء كله بخمسة تواقيع، في أمر يتعلق بواحد من الأمور التي يصنفها الدستور في خانة الأمور الأساسية، أي التي يحتاج إقرارها، بحسب المادة 65 من الدستور، إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة، فهل يعقل أن تمر بخمسة تواقيع؟
المخالفة وقعت. ومشاريع القوانين وُقّعت بالنيابة عن مجلس الوزراء، وأحيلت على مجلس النواب. كما أن رئيس المجلس النيابي حوّلها بدوره إلى لجنة المال والموازنة التي تعقد اجتماعها اليوم.
ربما لو لم تكن المراسيم السابقة متعلّقة بتنفيذ اتفاقيات دولية لكانت الفضيحة أقل وقعاً. لكن أما وقد وضع المشرّع هذه الاتفاقيات في مرتبة أعلى من بقية القوانين، وتفادياً لاحتمال أن تتضمن ما قد يخالف المصلحة الوطنية العليا، وضعت شروط خاصة لإقرارها. أولها أنها لا يمكن أن تصدر باقتراح قانون، بل يفترض أن تمر بمجلس الوزراء وموافقة ثلثي أعضائه. ومن دون هذه الموافقة لا يمكن إحالة المرسوم على البرلمان.
وللتذكير، فقد رفض مجلس النواب في عام 2006 معاهدة دولية تتعلق بإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لأن مرسوم الإحالة لم يتضمن توقيع رئيس الجمهورية، الذي تخصه المادة 52 من الدستور بصلاحية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، وهي المادة نفسها التي تنص على وجوب حصولها على موافقة مجلس الوزراء.
وإذا كانت المعاهدات الدولية تقع في الخانة نفسها مع الموازنة، فلماذا يذهب المعنيون إلى مخالفة الدستور لإقرار هذه المعاهدات، بينما تنام مسودة الموازنة في أدراج مجلس الوزراء. أليس إقرار الأخيرة أكثر إلحاحاً من الموافقة على قروض غير مستعجلة؟
وإذا كان الرئيس نبيه بري سبق أن طالب بعقد مجلس الوزراء لدراسة الموازنة وإحالتها إلى المجلس النيابي، فلماذا لا يترك المعاهدات الدولية وسيلة ضغط إضافية لحث الحكومة على الانعقاد، بدلاً من السير في ركب مخالفة الدستور، عبر توقيع وزير المالية للإحالة أو عبر تحويلها إلى اللجان؟
وإذا كان رئيس الجمهورية لم يبد حماسة لانعقاد مجلس الوزراء لإقرار الموازنة، كي لا تفرض الحكومة الحالية سياساتها المالية على الحكومة المقبلة، وكي لا تكون هذه الخطوة بمثابة تطبيع مع فكرة عدم وجود حكومة، فكيف يوقّع على مبدأ تجاوز الحكومة المقبلة، وتخطي النص الدستوري الذي يفرض تراتبياً موافقة الحكومة قبل إحالة المشروع إلى المجلس النيابي وقبل موافقة المجلس النيابي عليه.
تشكّل إحالة المشاريع الثلاثة اعتداءً صارخاً على صلاحيات مجلس الوزراء، لكن مع ذلك لم يجد الرئيس سعد الحريري حرجاً في توقيعه، متخطياً كل أدبياته السياسية بالمحافظة على صلاحيات مجلس الوزراء وحمايتها.
ثم إذا كانت المادة 17 من الدستور تنص على أن مجلس الوزراء مجتمعاً يتولى السلطة الإجرائية، فكيف يمكن لرئيسي الجمهورية والحكومة مصادرة هذه الصلاحية بشخصيهما؟