في وطن لم يعهد تقدير مبدعيه، كرّمت الجمعية الثقافية الرومية في عيدها الخامس البروفيسور منير أبو عسلي، أول من أمس، في نادي مارينا - ضبية بحضور حشد من الفعاليات. الرجل الوطني الذي أسّس كلية العلوم الطبية في الجامعة اللبنانية وساهم بشكل أساسي في «نسج» المناهج الجديدة و«صنع» كتاب التربية الوطنية، لم يحظَ يوما بتكريم «رسمي» يرتقي ومستوى عطاءاته الأكاديمية والتربوية. هو لم ينتظر مقابلات لقاء أعماله التي حملت شعار «بالتربية نبني»، بقدر ما انتظر أن تتحقّق إصلاحاته التي وضعها ضمن خطط تربوية وأكاديمية لم تُبصر النور «بسبب الكيديات السياسية» على حدّ تعبيره. وعلى رغم أن أبو عسلي حظي بتكريم «محلّي» بوصفه شخصية «رومية»، إلا أن شهادات الحاضرين في الإحتفال وطبيعة المشاركين بالتكريم أثبتت أن ابو عسلي رجل لا تقيّده طائفة ولا يحدّه انتماء. كيف لا وهو من كرّس جهوده لتطرير الجامعة اللبنانية. ووفق عميد كلية الطب في الجامعة اللبنانية البروفيسور بيار يارد، فإنّ أغلب النظم المتبعة اليوم في الكلية هي «صنيعة» أبو عسلي،.ورغم كون حياته حافلة بالانجازات التي بقي معظمها مجهولًا لدى عموم الشعب اللبناني، يبقى تأسيسه لكليات الطب وطب الأسنان والصيدلة في الجامعة اللبنانية في الثمانينيات، واشرافه المباشر على وضع المناهج الجديدة يوم كان رئيسًا للمركز التربوي للبحوث والإنماء عام 1997، العملين الأبرز في حياته اللذين تركا بصمة عظيمة في المجال التربوي في لبنان. فقبل ذلك لم يكن يحلم أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة بتعلّم مهن الطب والصيدلة التي كانت حكرًا على الميسورين من روّاد الجامعة الأميركية أو اليسوعية. وبعد افتتاح الكليات، كان على رأس هيئاتها الادارية بوصفه أول عميد لها، ورغم كونها مرحلةً اتّسمت بالفوضى، حافظ على مستوى كلياته وسمعتها الطيبة. أما تجربة «المناهج الجديدة» فكانت مغامرة صعبة لم تخلُ من الغوص في وحول اختلافات اللبنانيين وإرث الحرب القذرة، استطاع أن يخرج منها بمناهج كاملة وكتابًا للتربية الوطنية لا يزال يدرّس حتى اليوم.
تبقى المفارقة أن منجزات أبو عسلي في الجامعة اللبنانية، حصلت في عهد كان للميليشيات الكلمة الفصل في تقرير مصير آلافٍ دفعة واحدة، ورغم ذلك لم يرضخ «العميد» لذلك الواقع الأسود، الذي أجبر معظم أشباهه على الهجرة والبحث عمّا يليق بشهاداتهم. أما اليوم، في زمن السلم والاستقرار نرى هياكل الدولة تتداعى دون حسيب أو رقيب، آخذة تحت الركام تضحيات الأولين.
* طبيب متخرج من الجامعة اللبنانية