«كأننا في آب 2006»، قال أحد المنتظرين في طابور السيارات الطويل عند جسر القاسمية، على الطريق البحري القديم من صور في اتجاه الزهراني. بعد افتتاح أوتوستراد القاسمية قبل نحو عشر سنوات، نسي كثيرون هذا الطريق قبل أن تعود «الحياة» إليه إثر العاصفة «نورما» قبل أسبوعين. يومها، انهار جزء من الجبل المجاور لمقطع القاسمية الشرقي، وضرب الأوتوستراد ما يشبه الزلزال. في اليوم التالي، نزلت جرافات وزارة الأشغال العامة والنقل في محاولة لإزالة الردميات، وحوّل السير «مؤقتاً» باتجاه المسلك الغربي الذي تحوّل إلى طريق باتجاهين، ووُضعت إشارات تحذيرية وعوائق حديدية، ولكن من دون إنارة ليلية. بعد يومين، انسحبت آليات «الأشغال». ومنذ أسبوعين خلا الموقع من أي حركة، باستثناء حوادث السير الليلية التي فاقت العشرين، وأسفرت عن عشرات الجرحى بينهم ثلاثة في حال الخطر بسبب السرعة الزائدة والظلام الذي لا يمكن من رؤية المستجدّات على الأوتوستراد المنكوب. ناهيك عن الأخطار المحتملة لوقوع حوادث سير على الطريق القديم التي يجبر المواطنون على سلوكها مجدداً. إذ تغيب عنها معايير السلامة المرورية من صيانة الإسفلت والإنارة الليلية، فضلاً عن أن عرضها لا يستوعب الكم المتزايد من السيارات، ما يؤدي إلى زحمة سير خانقة، لا سيما في أيام العطل.لماذا لا يزال الوضع على حاله؟ «يتقاذفون المسؤوليات ولا نعرف من عليه أن يصلح ما تخرّب»، بحسب نائب رئيس اتحاد بلديات صور رئيس بلدية برج رحال حسن حمود. وأضاف: «نحن أمام كارثة حقيقية في مقابل استهتار بحياة الناس. راجعنا وزارة الأشغال والنقل ومجلس الإنماء والإعمار، فقالوا: ما خصّنا. والجواب نفسه أتانا من الشركة المتعهدة التي قالت إنها سلّمت الأشغال عام 2008».
من «خصّه» إذاً لإصلاح الأوتوستراد الذي كلف نحو ستة ملايين دولار بدل تنفيذ الكيلومتر الواحد و12 عاماً من الأشغال؟
مصادر وزارة الأشغال أكّدت لـ«الأخبار» أنها توجّهت بكتاب إلى مجلس الإنماء والإعمار (الرقم 6/ص ط م بتاريخ 17/1/2019) يطلب «اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة وضع المسلك الشرقي للأوتوستراد في الخدمة»، ورد المجلس بكتاب (350/1 بتاريخ 23/1/2019) بأنه، «بناء لتوجيهات رئيس الحكومة واتصالات أجريت مع رئيس مجلس النواب، سيكلف المتعهد الذي نفّذ أشغال اﻷوتوستراد بتنفيذ الأعمال اللازمة لإعادة وضع هذا القسم في الخدمة». أما ترك الردميات على الطريق، بحسب مصادر «الأشغال»، فيعود إلى أن «إزالة هذه الردميات نهائياً مرتبط بأعمال الصيانة».
لكن لـ«شركة الاتحاد للهندسة والتجارة» التي كلفت بتنفيذ المشروع عام 1996 بالتراضي، رأياً آخر. إذ إن الشركة «لم تبلغ رسمياً بتكليفها تنفيذ الصيانة على نفقتها»، بحسب ما أكّد مصدر في «الاتحاد» لـ«الأخبار». وذكّر بأن الشركة «سلّمت الأوتوستراد عام 2008، أي منذ أكثر من 10 سنوات، ما يسقط المسؤولية عن المتعهد بعد مرور هذا الوقت وفقاً لأصول تسليم الأشغال العامة». علماً أن الأشغال «أجريت وفق الأصول الفنية بإشراف جهاز فني هندسي وجهات حكومية مختصة». ولفت إلى أن الشركة أرسلت عام 2014، بعد ست سنوات من تسليم الأشغال، كتاباً إلى مجلس الإنماء والإعمار يفيد بظهور تشققات تهدّد بانهيار المنحدر الملاصق للأوتوستراد.
فاق عدد حوادث السير العشرين خلال أسبوعين أسفرت عن عشرات الجرحى

وطالبت المجلس بأخذ التدابير المناسبة تفادياً للأضرار و الأخطار التي قد تنجم حفاظاً على السلامة العامة مع اقتراحنا بتكليف أحد الجيوتقنيين لتحديد الأسباب والمعالجة».
من جهته، أكّد حمود أن بلدية برح رحال التي يقع المقطع ضمن نطاقها العقاري حذرت الشركة عام 2008، أي قبل تسليم الأشغال، من الأخطار المحتملة التي قد تنشأ عن الخلل الذي كان ظاهراً منذ ذلك الحين. إذ تمر الطريق بين مرتفعين من التربة الكلسية الممتلئة بالمياه والمعرضة للانهيار في أي وقت وهذا ما حصل». وشدّد على أن المطلوب ليس فقط إزالة الردميات «بل حل جذري للخلل الإنشائي عبر استحداث حوائط حمائية تمنع تساقط الردميات».
مفارقات عدة شابت حكاية الأوتوستراد حتى قبل البدء بتنفيذه. عام 1993، صدر مرسوم تخطيط أوتوستراد الجنوب – قسم الزهراني – صور الذي كان يمر في عقارات مختلفة عن المقطع الذي مر فيه لاحقاً بين أبو الأسود وصور (مفرق قانا). علماً أن المخطط الأصلي كان يحوز على موافقة التنظيم المدني. التغيير استند إلى مرسوم لاحق صدر عن رئيس الجمهورية الياس الهراوي عام 1996 بناء على اقتراح وزير الأشغال العامة علي حراجلي قضى بتعديل تخطيط قسم الزهراني – صور مع كافة التقاطعات العلوية والسفلية والطرقات الفرعية التابعة له والطرقات الجانبية المحاذية له من الكلم صفر الى الكلم 90+31. مصدر هندسي مواكب للمشروع أوضح لـ«الأخبار» أن التعديل جاء بناء على ضغوط من جهات نافذة حفاظاً على عقارات عدد من المالكين كان المسار الأصلي سيقضمها. ولم يتنبه التعديل إلى أن المسار الجديد سيمر في منطقة عين بو عبدالله المشهورة تاريخياً بوفرة الينابيع بما يجعل التربة قابلة للزحل. وأكد أنه على المدى الطويل «لن تنفع أي محاولة لإصلاح الانخسافات، بسبب الخلل الإنشائي في تنفيذ الطريق الذي لم يراع اتخاذ إجراءات مسبقة لاستيعاب المياه التي تنبع من الجبل الملاصق وتتجمع تحت الطريق».