من أمام وزارة العمل، تنطلق اليوم في الساعة الواحدة بعد الظهر، بعض المجموعات التي سبق لها أن تعاونت خلال الانتخابات النيابية السابقة تحت مظلة تحالف «وطني»، بالإضافة الى اتحاد الشباب الديموقراطي واتحاد نقابات العمال والمستخدمين وبعض الناشطين المستقلين، في تظاهرة نحو وزارة الصحة. لماذا؟ «من أجل نظام صحي واستشفائي متكامل، تفعيل قانون العمل اللبناني المتعلق بتصحيح سنوي للأجور، فرض الحد الأدنى للأجور والضمان الاجتماعي للعمال». التظاهرة استكمال للتحرك الذي بدأ في عيد الاستقلال الماضي «استقلالنا عن استغلالكم» ويأتي ضمن سلسلة نشاطات لاحقة تتشارك فيها هذه المجموعات (أبرزها المرصد الشعبي للفساد، بيروت مدينتي، حراك المتن الأعلى، لِحقّي، طلعت ريحتكن، لبلدي، كافح، الحركة الشبابية للتغيير) مع الحزب الشيوعي اللبناني بعناوين إصلاحية واضحة ترتكز على العدالة الاقتصادية والاجتماعية والإصلاح الضريبي.في عام 2015، اختلفت هذه المجموعات على بعض العناوين، ولا سيما أن بعضها أراد التركيز على أزمة النفايات حصراً، دون التطرق الى ملفات أخرى. فحصل تباين على مصطلح «العدالة الاجتماعية» وصوابية المناداة بفرض ضرائب تصاعدية على الأفراد وأخرى على المصارف، فضلاً عن أزمة احتلال الأملاك العامة البحرية والوكالات الحصرية، إضافة الى خطة لتوزيع الخسائر ومعالجة الدين العام. لكنهم اليوم «يسبقون الحزب الشيوعي الى هذه العناوين، بعدما عدّل خطابه، فيما ابتعدت بعض المجموعات التي تحمل أفكاراً ليبرالية، ما سمح بالتلاقي بين هذه المجموعات و«الشيوعي». وأتت التجربة الانتخابية لتوضح أزمة النظام وتدفعنا الى البحث عن حلول لهذه الأزمة. فالتفاوت الطبقي والتهرب الضريبي باتا أكثر وضوحاً لدى غالبيتنا»، يقول أحد الناشطين المستقلين. إلا أن هذا لا يعني أن التوافق هنا يلغي التباين السياسي بين المجموعات والحزب الشيوعي، حيث لا تزال هذه النقطة موضع نقاش، ولا سيما من ناحية شعار «كلن يعني كلن» الذي يحمّل رافعوه كل القوى السياسية المشاركة في مجلس النواب والحكومة المسؤولية عن أزمات البلاد.
ماهر أبو شقرا، أحد الناشطين في حركة «لِحقّي»، يرى أن «تظاهرة اليوم والتظاهرات اللاحقة تأتي لتكمل الخطاب السياسي الذي شكل أساس برنامجنا الانتخابي السابق، وتحديداً المناداة بالعدالة الاقتصادية والضريبة التصاعدية التي نريدها تصاعدية جداً». ويشير الى أن «لِحقّي» ستكون داعمة لتظاهرات يوم الأحد التي ستتم في المناطق، على أن تشارك في التظاهرة الشاملة يوم الأحد 20 كانون الثاني المقبل». تحرك يوم غد والأحد الذي يليه والذي ينظمه الحزب الشيوعي والتنظيم الشعبي الناصري والحزب الديموقراطي الشعبي، بالتنسيق مع باقي المجموعات، يلتقيان في العناوين الاقتصادية الاجتماعية التي أدرِجت في بيان المجموعات «المدنية». وهذا البيان يبدو شديد الشبه بالبرنامج المطلبي الذي أعلنه الحزب الشيوعي قبل أن يبدأ تحركاته في الشارع قبل نحو شهر، وخاصة لجهة المطالبة بـ«إعادة النظر جذرياً بالنظام الضريبي لتحميل ثمن الأزمة للفئات التي استفادت منذ التسعينيات من هذه المنظومة الاقتصادية القائمة من مصارف وكبار مودعين، وغيرهم من أرباب الاقتصاد الريعي»، و«اعتماد سياسات إعادة توزيع قادرة على حماية الفئات الأضعف اجتماعياً»...
«لسنا شيوعيين بطرحنا»، يقول أبو شقرا، «إنما الحزب الشيوعي يحمل طروحات واقعية». نقطة الاختلاف قد تكون «في موضوع شمل كل أطراف السلطة بالمسؤولية عن الأزمة، وهو ما نعتبره أمراً أساسياً؛ نرفض تنزيه أحد أو وضع اليد مع أشخاص محسوبين على بعض أحزاب السلطة».
إشكالية «كلن يعني كلن» التي طرحها أبو شقرا، ليست هاجساً بالنسبة الى الناشط في المرصد الشعبي لمكافحة الفساد واصف الحركة. بالنسبة الى الأخير، «لا نملك رفاهية طالما أن ما يجمعنا هو وجود أزمة نظام وغياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتحكم المصارف بالدولة». لذلك «نحن نشارك بتظاهرة اليوم التي شاركنا في تنظيمها وتظاهرات الأحدين المقبلين لأن جزءاً من عناوينها يناسبنا؛ شرط عدم تبرئة أي جهة من السلطة وألا يتحول التحرك الى تصفية حسابات للسلطة في ما بينها». من هنا، تنزل المجموعات اليوم حاملة شعار «كلنا متضررون، يعني كلّنا مسؤولون». أما لماذا التركيز على وزارتَي العمل والصحة، فلأن «هذين القطاعين هما الأكثر ارتباطاً بفساد النظام وعنوانا مواجهة أساسية مع السلطة».
يرى أحد الناشطين المستقلين أن ابتعاد بعض المجموعات الليبرالية ساعد في الوصول إلى عناوين مشتركة مع الشيوعي


وبعد انقطاع عن المشاركة، إن كان رسمياً في الانتخابات النيابية أو في التحركات الشعبية، تعود «بيروت مدينتي» لتضع يدها بيد الآخرين. وتقول نايلة جعجع، الناشطة في هذه المجموعة، إن «تجربة الانتخابات كانت بمثابة صفعة لتذكيرنا بأنه لا أمل من دون التحالف معاً واستيعاب بعضنا بعضاً. ما يحصل اليوم إيجابي جداً، ويفترض أن يشكل وسيلة ضغط حقيقية على السلطة». فيما يوضح زميلها في «بيروت مدينتي» بيار خوري أن هناك لجنة مشتركة تعمل على التنسيق بين كل التحركات وعناوينها، وسيتم الإعلان عن تحركات لاحقة؛ منها طالبية ومنها في ملفات متخصصة». طبعاً «الاختلاف في السياسة الضيقة موجود، ولا ننكره، لكنه لا يؤثر على المعركة الاقتصادية التي يضعها الجميع اليوم في سلم أولوياتهم».
في سياق آخر، ترى مصادر في الحزب الشيوعي أن لتعدد التحركات إيجابياتها وسلبياتها حسب طريقة التعاطي معها. فإذا كانت نتاج تراكمات نشملها بعنوان عام، فذلك جيد ومطلوب، وخصوصاً أن هناك مجموعات معنية بملفات معينة مرتبطة بالمشكلة السياسية الاقتصادية الشاملة. أما إذا تحول العمل الى فوضى وكثرة مطالب، فيضيع «الشنكاش» وتضيع معه أهدافنا. ويوضح المصدر أن شعار «كلن يعني كلن» يبسط المسألة. فعلى سبيل المثال، لا يمكن القول «كلّن ضد الزواج المدني، لأن في السلطة أطرافاً معه. ولا يمكن أيضاً القول إنهم كلهم فاسدون أو طائفيون لأن هناك بعض الاستثناءات». يتطلب الأمر هنا «تحديد معنى هذا الشعار، وربما القول «كلن» يعني كلهم مسؤولون ويحمون النظام الطائفي والمحاصصة وهو ما نوافق عليه».