مجدداً، تجانب «هيئة التنسيق النقابية» الحراكات الشعبية والمدنية. الهيئة التي لم تجتمع فعلياً منذ أكثر من سنة، لن تجتمع لتقرر ما إذا كانت ستشارك في تظاهرات اليوم أو الغد أم لا، أو لتتخذ موقفاً منها بالحد الأدنى. بالطبع، ليست المشكلة في أن «رابطتي التعليم الثانوي والمهني منشغلتان بانتخاباتهما هذا الشهر، أو في أنّ المنظمين يأخذون التحرك إلى عناوين تحرفه عن مساره»، كما يقول رئيس رابطة معلمي التعليم الأساسي الرسمي بهاء تدمري. ويضيف: «نحن أولاد الدولة ولا يهمنا سوى انتظام عمل المؤسسات وتطبيق الدستور واتفاق الطائف، ولا دخل لنا في تشكيل الحكومة والعهد القوي وغير ذلك من الشعارات التي ترفعها الأحزاب لا سيما حزب سبعة والحزب الشيوعي». ليست المشكلة أيضاً في أنّ «المنظمين غير منفتحين على هيئة التنسيق ولم يدعوها إلى الانخراط»، بحسب رئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي نزيه جباوي. المسألة أن هيئة التنسيق باتت هيكلاً عاجزاً عن تسجيل ولو موقف من أي قضية نقابية أو اقتصادية - اجتماعية. ثمة اجتماع أخير يتيم عقد قبل ثلاثة أشهر حين انتشر كلام عن امكان تجميد دفع السلسلة. في الواقع، سقط «تحالف الضرورة» بين أصحاب المصالح المتقاطعة عملياً منذ إقرار سلسلة الرتب والرواتب في 21 آب 2017، وسقطت معه كل الأوهام بتحوّل الهيئة إلى إطار نقابي بديل. على العكس، شكلت الأحزاب المشاركة في السلطة ائتلافات في ما بينها، وأطبقت على روابط الأساتذة والمعلمين والموظفين في القطاع العام، وعطّلت كل فعالية فيها تتجاوز استجداء الحق وتسليم أمر بتّه لممثلي هذه الأحزاب والقوى في المجلس النيابي والحكومة. بات القادة النقابيون «معقبي معاملات» أو «وسطاء» بين المسؤول السياسي والفئة العمالية بدل أن يكونوا ممثلين لها، بل إن بعض هذه الفئات تشعر أن الأطر النقابية الحالية تحاربها وتقف ضد مصالحها، كما هي حال الأساتذة المتمرنين في التعليم الثانوي الرسمي مثلاً.تقول النقابية يانا السمراني، عضو مجموعة «نقابيات ونقابيون بلا قيود» في التعليم الخاص، إنّ «المراهنة على هيئة التنسيق النقابية باتت مستحيلة، إذ كيف يمكن أن نطلب من نقابة أو رابطة أن تقف ضد نفسها، في حين أن العمل النقابي في طبيعته معارض للسلطة». وفيما تعزو السمراني تراجع العمل النقابي إلى أزمة اليسار والقوى العلمانية والديموقراطية التي تشكل عصب هذا العمل، تلفت إلى أنّ هناك مبادرات من وأصواتاً بدأت تخرج من القواعد الشعبية والقطاعية لتعبر عن غضبها وحقوقها من خارج الأطر النقابية وهي تحتاج إلى تجميع (التيار النقابي المستقل، نقابيات ونقابيون بلا قيود، تجمع الأساتذة المستقلين في التعليم المهني، تجمع المهندسين الديموقراطيين، موظفو المستشفيات الحكومية، الحراكات الشعبية في المناطق لا سيما في طرابلس و...مستقلون). تستدرك: «الحقوق هي ملك لأصحابها وليست ملكاً للأدوات النقابية المسيطرة»، مشيرة إلى أنّها ستنزل إلى الشارع رفضاً لأن يدفع الشعب اللبناني فاتورة الخروج من أزمة البلد.
القيادي في التيار النقابي المستقل جورج سعادة يرفض هو الآخر أن يدفع الفقراء ومتوسطو الحال تبعات أزمة نظام فاسد سرق أموالهم وحقوقهم. وقد دعا التيار أنصاره إلى المشاركة في المظاهرة التي دعا إليها الحزب الشيوعي اللبناني والتنظيم الشعبي الناصري وقوى نقابية ومجتمعية متعددة، غداً في المناطق، وفي 20 الجاري مركزياً في العاصمة بيروت. وقال إنّه يقف ضد سياسات الإفقار «لنكون من المدافعين عن القطاع العام والتعليم الرسمي والجامعة اللبنانية والأساتذة والمعلمين والمتقاعدين الذين تنهشهم الضرائب السابقة واللاحقة من 15% ( TVA) إلى التلويح برفع الدعم عن المحروقات والخبز ناهيكم عن الفواتير والأقساط». ويرى سعادة أنّ أولى علامات تنفيذ مقررات «سيدر» كان الالتفاف على المادة 18 من قانون سلسلة الرتب والرواتب الخاصة بالمتقاعدين تمهيداً للمساس بالمعاش التقاعدي والانقضاض على التقديمات الصحية والاجتماعية وتوحيدها عند السقوف الدنيا، من دون أن يستبعد أن تكون هناك نية لعدم تثيتت الأساتذة المتمرنين في ملاك التعليم الثانوي الرسمي. كذلك ثمة إعادة طرح لتقييم الرؤساء للموظفين لتحقيق هدف التعاقد الوظيفي. برأي سعادة، لا بديل عن حماية القطاعات الشعبية الواسعة في مواجهة جشع حيتان المال والمصارف وحلفائهم في السلطة.