بعد 43 عاماً، أعادت الجامعة الأميركية في بيروت فتح ملف تثبيت الأساتذة، بعدما اعتمدت طوال هذه السنوات مبدأ العقود السنوية القابلة للتجديد. ولأن تثبيت الأستاذ يمنحه حرية أكبر في إعلان مواقفه وآرائه ويحرّره من سطوة الإدارة، يتهم بعض من رُفضت ملفاتهم إدارة الجامعة باعتماد كثير من الاستنسابية وقليل من المهنية الأكاديمية في اختيار المثبّتين، وباستخدام التثبيت وسيلة لـ«تطهير» الجامعة من مجموعة أساتذة غير مرضي عنهم. «الأخبار» حصلت على نسخ من مراسلات داخلية وشكاوى مرفوعة من قبل الجهات المتضررة من نتائج التثبيت وبعض الجهات الأكاديمية المحايدة، تؤكّد وجود غبن كبير لحق بنحو 34 أستاذاً.في 11 حزيران الماضي، صدرت نتائج الدورة الأولى لتثبيت الأساتذة في ملاك الجامعة الأميركية في بيروت، بعدما استغرق درس الملفات نحو عام (قدّم الأساتذة ملفاتهم في آب 2017). الدورة أتت بعد «تجميد» لملف التثبيت دام نحو 43 عاماً، إذ توقّفت إدارة الجامعة، عقب اندلاع الحرب الأهلية، عن تثبيت الأساتذة، وكرّست مبدأ العقود السنوية القابلة للتجديد.
وتتدرّج رتبة الأستاذ في الجامعة من أستاذ مُساعد إلى أستاذ مُشارك وصولاً الى رتبة الأستاذ (full professor). وبعدما جرت العادة بأن يتم تجديد عقد الأستاذ تلقائياً لمدة تتراوح بين 5 و10 سنوات، قرّرت إدارة الجامعة «إحياء» ملف التثبيت بعد تغريمها مئات آلاف الدولارات لمصلحة أستاذين لم يُجدّد عقداهما عام 2014، لغياب مبرّرات الاستغناء عنهما بعدما عملا في الجامعة لأكثر من عشر سنوات.
مصادر إدارية في الجامعة أكّدت أن خوري تدخّل شخصياً في عملية تسمية الأساتذة المقبولين (مروان طحطح)

تقدّم الى هذه الدورة 107 أساتذة، حصل 73 منهم على درجة الـ tenure (ينالها الأستاذ بعدما يكون قد أثبت كفاءته، وتؤهله للتثبيت) فيما رُفضت ملفات 34 أستاذاً. وبحسب المعلومات، فإنّ غالبية من رُفضوا مضى على تدريسهم في الجامعة نحو عشر سنوات على الأقلّ، فيما تنصّ توصيات «جمعية الأساتذة في الجامعات الأميركية» (AAUP) على مبدأ تثبيت أي أستاذ يعمل سبع سنوات متواصلة في ملاك أي جامعة، باعتبار أن هذه فترة كافية ليثبت كفاءته.
ورغم أن التثبيت التلقائي كان بمثابة «عرف»، ولا نصوص تلزم إدارة الجامعة به، إلا ان نتائج الدورة لقيت اعتراضاً مردّه زعم المعترضين أن غبناً لحق بهم، سببه عدم رضى إدارة الجامعة عن بعض الأساتذة. وأكّدت مصادر هؤلاء لـ«الأخبار» أن غربلة للأسماء جرت، بعيداً من المعايير العلمية المفترض اتباعها. وأعطت مثلاً على ذلك أن دراسة ملفات الأساتذة ينبغي أن تأخذ في الاعتبار معايير رئيسية، منها عدد المقالات العلمية المنشورة باسم الأستاذ وحجم الاستناد الى تلك المقالات كمراجع علمية. وفي هذا السياق، كان لافتاً أن يُثبّت أستاذ حائز درجة 3 في معيار الاستناد الى مقالاته كمرجع في كلية الآداب، فيما حُرم زميل له من التثبيت رغم حصوله على درجة 982. وفي كلية العلوم أيضاً، ثُبّت أستاذ نال درجة 43 في معيار الاستناد الى مقالاته فيما رفض ملف زميل له نال درجة 435.
ووفق جدول النتائج الذي حصلت عليه «الأخبار»، فإنّ 44% فقط من أساتذة كلية الهندسة حازوا التثبيت، «في حين أن أساتذة الكلية مشهود لهم بملفاتهم المميزة التي تؤهلهم الحصول على درجة الـ tenure»، وفق المصادر نفسها. وتبرز في هذا الصدد مراسلة لعميد الكلية يشكو فيها من نتائج التثبيت التي حاز فيها أساتذة الكلية النسب الأقل رغم «كفاءتهم المشهودة».
غالبية من رُفضوا مضى على تدريسهم في الجامعة نحو عشر سنوات على الأقلّ


ويتّهم المعترضون الإدارة، ممثلة برئيس الجامعة فضلو خوري ونائبه للشؤون الأكاديمية محمد حراجلي، بـ«ممارسة الكيدية والاستنسابية، والتدخّل لغربلة الاساتذة المرضيّ عنهم من قبلهما». وينقل هؤلاء عن حراجلي اعترافه بأنّ ملفات عدد من الأساتذة كانت «قوية» و«مُبكّلة»، إلا أن أصحابها يتمتعون بحسّ «المُشاغبة» و«التمرّد»، وعليهم «تحسين سلوكهم» ليأخدوا فرصهم في التثبيت في المرة المقبلة.
مصادر إدارية في الجامعة أكّدت أن خوري «تدخّل شخصياً في عملية تسمية الاساتذة المقبولين، وذلك بحضوره ـــ خلافاً للقانون ـــ اجتماع اللجنة المكلفة بدراسة الملفات». يبقى أن الأغرب من كل ذلك أن الأساتذة لم يتمكنوا من الاطلاع على أسماء أعضاء اللجنة الذين قيّموا ملفاتهم، والبالغ عددهم نحو 25 عضواً، «وهي المرة الأولى التي لا يتمكّن فيها أستاذ من معرفة الجهة التي تقيّم أداءه»، وفق المصادر نفسها.

تكرار سيناريو 1965؟
وبحسب أكاديميين في الجامعة، فإن منح الاستاذ الـ»tenure» يسلب الادارة «سلاح» الاستغناء عنه، ما يُحصّنه ويعطيه هامشاً أوسع في إعلان مواقفه وآرائه إزاء سياسة الجامعة أو أي أمر يحصل داخلها.
لذلك، ثمة رابط وثيق بين مبدأ تثبيت الأستاذ و«رضى» الإدارة عنه. انطلاقاً من ذلك، بحسب مصادر في الجامعة، فإن خوري في صدد وضع قانون لإلغاء التثبيت في حال خالف الأستاذ جملة من الشروط. وقال مطلعون على نص القانون الذي لا يزال قيد الدرس إن الشروط التي يتضمّنها «مهينة للأساتذة، إذ إنها تمسّ بحريتهم الأكاديمية وبحقهم في التعبير عن آرائهم وأفكارهم».
الربط بين التثبيت والحرية الأكاديمية سبق أن أثارته «جمعية الأساتذة في الجامعات الأميركية» (AAUP) في نشرة لها عام 1966، خلال تناولها حادثة حصلت عام 1965 بين إدارة الجامعة الاميركية في بيروت وأحد أساتذتها الذي حُرم من التثبيت لأنه لم يكن موضع رضى الادارة عنه. واللافت هو تحذير المقال المنشور منذ 52 عاماً من أن «إدارة الجامعة ستكون في السنوات المقبلة أمام عشرات قرارات التثبيت، وأن أحداً من الاساتذة لن يكون في منأى عن خطر عدم التثبيت لأسباب غير أكاديمية، وفي حال كان موضع شك لدى إدارة الجامعة»!



«منسوى راسكن»!
حاولت «الأخبار» التواصل مع رئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فضلو خوري لاستيضاحه حول ملابسات ملف التثبيت، إلا أنه لم يرد على رسائل الواتساب قبل أن يحظر رقم المتصل. كما لم يجب على رسالة نصية أُرسلت إلى هاتفه.
نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية محمد حراجلي نصح «الأخبار»، في اتصال هاتفي، بعدم تناول الملف لأنه «بغاية الخطورة، وهو أكاديمي بحت وليس من صلب عمل الصحافة مناقشة ملفات مماثلة». كما نصح بعدم التواصل مع أي جهة داخل الجامعة، لافتاً إلى أنه، والرئيس خوري، غير مهتمين بالتواصل مع «الأخبار». وقال إنّ الجامعة الأميركية «صخرة قوية ولن يتمكن أحد من المس بها (...) الجامعة بتسوى راس كل الموجودين في لبنان، ومن ضمنهم راس إبراهيم الأمين».


21 طلب استرحام
من بين 34 أستاذاً رُفضت ملفاتهم، تقدّم نحو 21 منهم بطلبات استرحام لإعادة النظر في ملفاتهم. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإنّ خوري تواصل مع بعض هؤلاء وأقرّ بوجود أخطاء شابت عملية درس الملفات، وطلب منهم عدم إثارة الموضوع، واعداً بمنحهم التثبيت في السنة المُقبلة، علماً بأن قانون الملاك ينصّ على أن الأساتذة الذين لم يُمنحوا التثبيت لا يمكنهم إعادة تقديم ملفاتهم قبل مرور ثلاث سنوات!


رئيس الجامعة ثبّت نفسه!
في 20 نيسان الماضي، أرسل رئيس الجامعة فضلو خوري كتاباً الى موظفي وإداريي الجامعة المعنيين يبلغهم فيه أنه قرر تثبيت نفسه وكل من نائبه للشؤون الأكاديمية محمد حراجلي وعدد من العمداء. ونُقل عن خوري تبرير القرار بأنه وحراجلي والعمداء يجب أن يكونوا مُثبّتين ليقوموا بتقييم ملفات الأساتذة من طالبي التثبيت، علماً بأنّ آلية التثبيت لا تمر بخوري، إذ إن «الأساتذة طالبي التثبيت يملكون الموقع العلمي نفسه الذي يملكه خوري وغيره»، وفق ما تؤكد مصادر في الجامعة.