تسمّى «بدائل الفقراء» نظراً إلى تدنّي أسعارها مقارنة بأصناف «كلاسيكيّة» باهظة مثل الهيرويين والكوكايين. بـ 500 ليرة فقط، ثمن حبة «الفراولة» المخدّرة، يدخل كثير من الأطفال دوامة الإدمان، في سن لا تتعدّى الحادية عشرة... لا فرق في ذلك بين أطفال أحياء الفقراء وبين أقرانهم في مدارس الأغنياء. التقديرات، في غياب الإحصاءات، تؤكد أن نسب المتعاطين في «ازدياد مستمرّ» و«تتخطّى السبعين ألفاً».لا إحصاءات دقيقة حول معدّل انتشار المخدرات في لبنان.
داريو كاستيليوس ــ المكسيك

يشير التقرير الوطني الأول عن وضع المخدرات، الذي أعدّه المرصد الوطني للمخدرات ونُشر العام الماضي، إلى 11 ألفاً و152 موقوفاً لاستخدامهم المخدّرات بين عامي 2013 و2016. بالمقارنة مع 2011، سجّل عام 2016 وحده ارتفاعاً خطيراً في أعداد الموقوفين بقضايا متعلّقة بالمخدرات، بلغت نسبته 233 في المئة تحت سن الـ 18 عاماً. «المخدرات الأكثر شيوعاً التي تمت مصادرتها هي الكبتاغون والكوكايين والقنّب والإكستاسي». هذا في ما يتعلق بالموقوفين. أما نسب المتعاطين فإنها في «ازدياد مستمرّ» و«تتخطّى السبعين ألفاً» وفق تقديرات متابعين. ويُعزى الارتفاع المتنامي في نسب المتعاطين، خصوصاً بين الشباب، إلى ظهور أصناف جديدة، مختلفة عن تلك المعروفة مثل الحشيش والكوكايين والهيرويين، بدأت تغزو السوق اللبناني منذ عام 2008، واستفحلت في 2014
بسبب «تأثيرات الأزمة السورية».

خرق «التقاليد»!
التطوّر الأخطر لا يكمن في ازدياد شريحة المراهقين من المتعاطين فحسب، وإنما في «خرق المتعارف عليه من تقاليد في عالم الإدمان». مسؤول دائرة مكافحة المخدرات في «الهيئة الصحية الإسلامية» علي جابر يوضح أن التعاطي «كان يقتصر في كلّ مرحلة من مراحل الإدمان على نوع واحد من المخدرات. فتكون الحشيشة غالباً في المرحلة الأولى، تليها الحبوب المهدئة، وقد ينتهي المتعاطي في مراحل لاحقة إلى تعاطي الكوكايين والفري بايز والهيرويين». هذه هي «التقاليد». لكن العمليّة اليوم لم تعد على هذا النحو. إذ أن المتعاطي بات يتناول «تشكيلة من المواد المخدرة في الوقت نفسه»، كـ«الفراولة» و«السالفيا» و«السيمو» و«الكبتاغون» وغيرها. ولهذا تداعيات خطيرة ذات شقين: تأثير سلبي على صحّة المتعاطي، والتسريع في بلوغه المراحل الأخيرة من الإدمان.

حشيش و«فراولة»
«التحدّيات التي تواجه المدارس اليوم ثلاثة: التنمّر، والأجهزة الذكية، والحشيشة»، وفق رئيس قسم الطب النفسي في مستشفى أوتيل ديو سامي ريشا. وهذا ما يؤكّده تقرير المرصد الوطني الذي أشار إلى ارتفاع معدّل انتشار استخدام المخدرات بين طلاب المدارس (بين 13 و15 سنة) من 3,5 في المئة عام 2005 إلى 4,7 في المئة عام 2011. لكن الأخطر أن الدراسات المتوفرة عن المخدرات، على قلّتها، «تفتقر إلى الدقة» بحسب جابر. وتكفي العودة، في هذا السياق، إلى أرقام الشرطة القضائية التي «سجّلت عام 2017 توقيف 777 مروّجاً تبيّن بالتحقيق معهم أن كلاً منهم يبيع بضاعته إلى ما لا يقلّ عن مئة شخص»! غياب الدقة ينطبق أيضاً على عدد الوفيات الناجمة عن التعاطي. فقد سجّلت أرقام وزارة الصحة بين 2012 و2016، «19 حالة وفاة ناتجة عن استخدام مباشر للمخدرات كالجرعة الزائدة أو الانقطاع المفاجئ عن المخدر». إلا أن الواقع أنه، لاعتبارات اجتماعية وعائلية، غالباً ما تسجّل الوفيات الناجمة عن التعاطي كحوادث «قضاء وقدر وذبحات قلبية».
أُوقف العام الماضي 777 مروّجاً تبيّن أن كلاً منهم يبيع بضاعته إلى ما لا يقلّ عن مئة شخص


«جربها ما بتعمل شي» هي العبارة المفتاح إلى عالم الإدمان. ولأن الحشيشة ليست في المتناول دائماً، إما لصعوبة الحصول عليها أو لعدم القدرة على دفع ثمنها، يلجأ التّجار إلى «طبخات» جديدة مستهدفين «ذوي الدخل المحدود»، ومن بينهم الطلاب. فحبّة «الفراولة» التي تنتشر كثيراً بين صغار السن حالياً تباع بـ500 ليرة فقط! كما راجت الـ«سالفيا»، أو الـ«سيسي» كما تُعرف، بسعر متدنّ، مع خاصية «مميزة». إذ لا تظهر آثار لها في حال إخضاع المدمن لفحص طبي. هكذا، بأقل من دولارين يومياً، يدخل هؤلاء عالم الإدمان بالمهدئات والمنشّطات والمهلوسات ومسكّنات الآلام، مدفوعين بأسباب عدة تتراوح بين الفضول والفراغ والبحث عن تحقيق الذات ومجاراة الكبار والهروب من المشاكل إلى تحسين القدرات الجنسية.
تعزو مصادر متابعة لـ «الأخبار» الارتفاع الملحوظ في الأرقام إلى «ارتياح المتعاطي إلى فكرة أنّه لن يتعرّض للتوقيف على اعتبار أنه مريض وليس مجرماً، وقد يجد المدمن في مراكز التأهيل والمستشفيات فرصة لينظّف جسمه لفترة ثم يعود بعدها إلى الإدمان مستعيداً اللذة الأولى». ولهذا يموت كثيرون، وفق المصادر، بسبب الـ«أوفر دوز»، خصوصاً «أن المدمن المعتاد على كمية معيّنة قبل الديتوكس، أي تنظيف الجسم من السموم، سيعود بعد عملية التنظيف إلى تناول الكميّة نفسها مما يؤدّي إلى خسارته حياته».
محاولة الإفلات من النفق تصبح أكثر صعوبة مع التوغّل داخله، ويصبح الخلاص قبل «الجرعة الزائدة» أعجوبة. حسين (اسم مستعار) يخضع حالياً للعلاج في مركز «إحياء» التابع للهيئة الصحية الإسلامية. بدأ «رحلة الإدمان» بحبوب مهدّئة هرباً «من الضغوطات» جراء عمله ممرضاً في أحد المستشفيات. اعتاد الحبوب المهدّئة إلى أن نصحه زميل له بحبة «ترامال». بعدها صار يطلب ما هو أفعل: «الفراولة» التي تحتوي على مسكّن «ترامادول». بعدها «تفاقمت حالتي إلى أن انتقلت إلى السيمو»، وهو دواء سعال يحتوي على مادتي الكوديين والمورفين، لينتهي متعاطياً الكوكايين والهيرويين.
هلال (اسم مستعار) بدأ، أيضاً، الرحلة بـ«حبّة دواء» بعد إصابة في قدمه أبطأت أداءه خلال عمله نادلاً في ملهى ليلي. عرض عليه أحدهم «حبة دواء شعرتُ بعدها بأني سوبرمان، فصرت أعمل حتى الخامسة فجراً من دون إحساس بالنعاس أو التعب». فهم أن المسألة «فيها مخدرات»، وظلّ يعتقد «أنني صاحب إرادة وبإمكاني التوقف عن تعاطيها ساعة أشاء». لكن التراجع «في غاية الصعوبة». هي المرة الثانية التي يعود فيها هلال إلى مركز «إحياء»، وربما لن تكون الأخيرة.



الوصفة بـ 10 دولارات
تظهر تباعاً أصناف جديدة من المخدرات بأسماء و«طبخات» مختلفة، ومع كل اكتشاف لدواء له مفعول شبيه بالمخدرات يبدأ الطلب عليه بين المراهقين والشباب. اكزاناكس، فاليوم، ريفوتريل، ليكسوتانيل، ديازيبام، بنزكسول، بازولام، براكس، ترامال… تطول لائحة الأدوية التي حظرت وزارة الصحة صرفها من دون وصفة طبيّة تجنّباً لاستخدامها لغير أغراضها العلاجيّة. لكن الحصول عليها ليس مستحيلاً، سواء عبر وصفة طبيب، أو بواسطة صيدليّ يهرّب الأدوية. تؤكد صاحبة إحدى الصيدليات أن «هناك أطباء معروفين يكتبون وصفات أدوية مقابل 10 دولارات فقط». وتروي لـ«الأخبار» أن شباناً كثراً يقصدونها لشراء أدوية أعصاب يكون غالباً الهدف منها التعاطي. «في إحدى المرات، قصد صيدليتي أحد الشبان مرتين حاملاً في كل مرة الوصفة نفسها من الطبيب نفسه. اتصلت بالطبيب، فأجابني: الغبي ذهب إلى الصيدلية نفسها؟»!


أسعار خاصّة في متناول الفقراء
بين مجتمع المتعاطين يمكن الحصول على «لائحة الأسعار» الخاصّة بالمواد المخدّرة الأكثر انتشاراً. على سبيل المثال، تباع ثلاث حبّات من الكبتاغون بـ 3.5 دولار. الحبّة الواحدة من هذه المادة كفيلة بجعل المتعاطي مستيقظاً لمدة 72 ساعة. أما السالفيا المنتشرة حديثاً (سالفيا ديفينوروم)، أو نبتة «ماريا الراعية» كما يعرفها المكسيكيّون، فقد جرى ضبطها للمرة الأولى في لبنان عام 2016. وتباع كميّة كافية «للفّ» 20 سيجارة من السالفيا بقيمة 30 دولاراً، فيما تتمثّل تأثيراتها بالهلوسة الشديدة التي تمتدّ إلى نحو 20 دقيقة وفقدان الذاكرة المؤقت. وأكثر ما يشجع عليها أنه «لا يمكن اكتشافها بالفحص الطبي».