يعتري التقدير القائل أن الوزير السابق سليمان فرنجية ذهَب إلى مصالحة مع سمير جعجع، بضوء أخضر من حزب الله، الكثير من المُبالغة. كما أن القول إنه خطا مثل هذه الخطوة بمعزل عن رأي الحزب، فيه أيضاً مقدار كبير من التبسيط لعُمق العلاقة بين الطرفين. لم تكُن صورة المُصالحة التي رعتها بكركي بين فرنجية وجعجع مألوفة. أول سؤال تبادَر إلى أذهان بعض المتابعين هو موقف الحزب منها، علماً أن الأخير يرفُض أي حوار مع «القوات» خارج مؤسسات الدولة. لكن إجابة أوساط الحزب كافية على نحو لا يترك مجالاً للاجتهاد. من يستمِع بدقّة إلى ما تقوله الأوساط عن «الحليف الصادق» يُدرك تماماً أن الثقة التي حفرت طريقها بين بنشعي وحارة حريك كفيلة بأن تُبقي الأخيرة «يديها ورجليها في مياه باردة». يكفي أن يضع فرنجية حزب الله بأيّ خطوة ينوي القيام بها، حتى يسمَع «مباركته». وتعليقاً على ترميم العلاقة مع معراب، جملة واحدة سمعها رئيس تيار المردة من قيادة الحزب، تختصِر ما يجمعَهما. قيلَ له بالحرف: «نثِق بك. ولا نخاف منك. افعَل ما تراه مناسباً».لا يُمكن الحديث عن فرنجية في الضاحية الجنوبية من دون العودة إلى عام 2004. منذُ ذلك الوقت بدأت العلاقة بينهما تتطوّر على نحو مضطرد. أصبَح صديق الرئيس السوري بشار الأسد، صديقاً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. حافظَ على شعبية كبيرة في بيئة الحزب وبين كوادره، على رغم «ورقة التفاهم» التي جمعت الأخير بالرئيس ميشال عون، وتغليب الحزب هذا التفاهم في مقاربة الملف الرئاسي على حساب فرنجية. لم يكُن ذلك نتيجة نقزة قيادة حزب الله من الدعم السعودي - الحريري لوصول فرنجية، بل «كان التزاماً أخلاقياً مع عون، كما يلتزم اليوم بحلفائه، سنّة 8 آذار». فـ«نور العين» كما وصفه السيد نصرالله يومها هو «أحد الأعمدة الثابتة في محور المقاومة لا يُمكن أن يهتزّ»، و«شخصية مبدئية يُمكن الوثوق بها إلى أبعد الحدود». هذا هو جوهر علاقته بحزب الله، سواء حينَ ذهبَ إلى باريس للقاء الحريري سرّاً (للتفاهم حول الرئاسة)، أو بما حصَل مؤخراً في المصالحة مع القوات اللبنانية.
في هذا الإطار السياسي يتعامل حزب الله مع فرنجية. بعيداً من منطق الشروط والإملاءات يترك له تقدير الوسيلة لتحقيق ما يصبو إليه، تماماً كما تعامل الحزب مع عون حينَ ذهبَ إلى مُصالحة معراب بهدف الحصول على دعمها الرئاسي. يومَ وُقّع هذا الاتفاق بين حزب القوات اللبنانيّة والتيار الوطنيّ الحر، وتبنّى فيه جعجع ترشيح العماد عون إلى الرئاسة، وما كانَ قبلها من دعم الرئيس الحريري لفرنجية في هذا السِباق، اعتبر حزب الله أنه ربِح جائزتين: «اللوتو واليانصيب». حينها، وصلَ الحزب إلى خلاصة كرسّت انتصاره، بوضع حليفيه على طريق بعبدا. وكما أن عون دخلَ نادي رؤساء الجمهورية، لا يزال الحليف «الثابت والموثوق» يعبّد طريقه للوصول.
تتعدّى علاقة فرنجية بحزب الله حدودَ التفاصيل إذ يحكمها تفاهم استراتيجي


تتعدّى علاقة فرنجية بحزب الله حدودَ التفاصيل. يكتفي الزعيم الزغرتاوي بإرسال إشارة تبليغية إلى حارة حريك. والمدى الذي يمكن أن تصل إليه خطواته «متروك له ملء الثقة». حينَ وضَع حليفه في صورة بناء العلاقة مع معراب، سمِع فرنجية كلاماً يقفز بمعناه السياسي فوق كل «محاولات الحصار» التي تعرّض لها ولا يزال. آخرها في موضوع تمثيله داخل الحكومة حين حاول رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وضع فيتو على تسلّمه وزارة الأشغال، ووقفَ الحزب سداً منيعاً في وجه وزير الخارجية. الكلام «عن الثقة» لن يفرّط به، بل سيستثمره لتوسيع مساحة ملعبه على قاعدة أنه «الأحق برئاسة الجمهورية» في الاستحقاق المقبل، لا سيما أن الحزب يترك له «هامش الحرية والتحرّك تحت سقف التفاهم الإستراتيجي». إذاً المسألة كلها هي سباق على الرئاسة المقبلة. سابقاً كان حزب الله ملتزماً بدعم عون. أما فرنجية فيعتبر أن الحزب غير مُلزم سوى به، ولو أن الأخير يقول في كواليسه «إن الحديث عن الرئاسة لا يزال مُبكراً».