المدن تُبنى لناسها، وأهمهم الأطفال. وفق هذا المفهوم، أعاد المهندس المعماري الهولندي ألدو فان ايك بناء مدينة أمستردام بعد الحرب العالمية الثانية، مضمّناً مخططها أكثر من 734 ملعباً للأطفال، بهدف خلق أماكن تعزز الحوار وتحفز الحياة المجتمعية التي يشارك فيها هؤلاء، حيث يعيدون اكتشاف مدينتهم.وقد حظيت المساحات الخضراء، أخيراً، بكمٍّ غير مسبوق من الدراسات العلمية حول أثرها على صحة الأطفال وأنماط حياتهم. وبيّنت أن إخراج هؤلاء إلى فضاءات مفتوحة بلا قيود أمر حيوي، نظراً إلى أن مستوى نشاطهم يرتبط بالوقت الذي يقضونه خارج جدران المنزل. فمجرد التّواجد في بيئة تكثر فيها المساحات الخضراء، أو ممارسة نشاط بدني في الهواء الطلق، يخفف من اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه، بحسب دراسات قام بها اختصاصيون في الطب النفسي البيئي.
وتوصي منظمة الصحة العالمية بما لا يقل عن 10 أمتار مربعة من المساحات الخضراء لكل مواطن، شرط ألا يستغرق الوصول اليها سيراً على الأقدام أكثر من 10 ـــ 15 دقيقة. بهذا المعنى، بيروت مدينة غير صديقة للأطفال. فرغم توافر 40 حديقة فيها، إلا أن هذا العدد غير كافٍ مقارنة بمساحة العاصمة وكثافتها السكانية. وبحسب مها عيسى، المعمارية المتخصصة في تنسيق الحدائق والمساحات العامة، فإن «عدم تضمين تخطيط المدينة مساحات خضراء للأطفال يجعلنا نخسرهم كمواطنين مستقبليين معنيين بشؤونها». وما زاد الأمور سوءاً أنه «بفعل تغير النسيج العمراني والمضاربات العقارية اختفت الحارة، وهي مساحة بين الملك الخاص والملك العام تحصل فيها التنشئة الاجتماعية تحت عيون أهلها، وبالتالي بات الأطفال إما محشورين داخل عقارات خاصة أو في الشارع».
مستوى نشاط الطفل يرتبط بالوقت الذي يقضيه خارج المنزل


انطلاقاً من حق كل طفل في مستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي (المادة 27 من اتفاقية حقوق الطفل)، وحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنّه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية والفنون (المادة 31)، بدأت «يونيسف» أخيراً، البحث مع بلدية بيروت لإيجاد مساحات خضراء وآمنة للأطفال في أحيائهم يمارسون فيها حقهم باللعب. وتوضح سونيا الياس، الاختصاصية في التنمية المجتمعية، أن المبادرة تقضي باستغلال الفراغات العقارية في الأحياء الفقيرة والمكتظة، وتحويلها إلى مساحة خضراء تضمّ منشآت وتجهيزات بسيطة، بكلفة صيانة منخفضة. والهدف أن «نفكر في حلول ابتكارية مستدامة، ونستعين بمهندسين متطوعين لتصميم هذه المساحات لتحويلها إلى فسحة للتواصل تشبّك فيه البلدية مع الحيّ وتسمع فيه الأطفال الذين في حوزتهم دائماً ما يريدون قوله». وهذا، على لطافته، يبدو ترفاً في مدينة تعجز بلديتها عن حماية أطفالها من الغرق في شوارعها مع كل «شتوة».