«يعبرون الجسر» والطريق السريع وضفتي الشارع، قبل بزوغ الفجر بقليل، ثقالاً متعبين ومكسورين. لا أضلع تمتدّ لهم، بل هم يمدّون أضلعهم الطريّة نحو أدوات حادّة وعربات غليظة وأحمال ضخمة. لا تتجاوز أعمارهم السادسة عشرة، وهم بذلك أطفال بحسب الشِّرعات الدولية. في عمرهم يجدر بهم أن يكونوا على مقاعد الدراسة، يتعلّمون قصيدة «الجسر» للشاعر خليل حاوي ويأملون بـ«الشرق الجديد». غير أنهم يكبرون في الشرق ويحلمون كلاجئين بالسفر إلى بلاد «تحقّق الأحلام». يتعلّمون مصالح «للكبار» وأعمالاً مضنية تقطف منهم أجمل سني حياتهم. صغار السنّ، تسرّبوا باكراً من المدارس وغرقوا في الشغل والتعب لإعالة عائلاتهم. أطفال يعيشون ويتصرّفون ويكبرون مثل «أصحاب العيال».صالح (13 سنة) فرد من عائلة سوريّة لاجئة أطفالها الأربعة يعملون. امتهن «جمع الحديد والتنك» من حاويات النفايات في بيروت، بينما يعمل أشقاؤه في «العتالة على البيك ــــ أب». بين الحاويات ولدى الهرب من شرطة البلديّة، لم يتسنّ لصالح التفكير في طموحاته... «ولا مرة فكّرت ببكرا» يقول.
يلتحق حيدر (15 سنة) بـ«المصلحة» عند الثامنة والنصف، وينتهي من عمله عند الرابعة أو السادسة مساءً. حيدر «معلّم» صغير في مصلحة الكهرباء، تسرّب من المدرسة في إدلب قبل ست سنوات، وجاء إلى لبنان قبل أربع سنوات، ولم يتمكّن هنا أيضاً من الالتحاق بمدرسة. يتحدّث «الكهربجي المتدرّب» عن الواسطة في التعليم، وعن «تقصير الأمم» في تعليم اللاجئين، وهو برأيه «حكي فاضي». في الخلاصة «ما في شغل بلا تعب، لكنني إجمالاً لا أقترب من الخطر، أزور البيوت مع صاحب العمل وأعاونه». جلّ ما يحلم حيدر به، متابعة تدريباته في كرة القدم، والسفر إلى كندا حيث «أقلّه لا شغل ولا شي» هذا أقصى ما يخطّط له للوصول إلى بلد أحلامه. أما يوم الطفل، فيجبره على رسم ضحكة على وجهه «إذا فرصة بجي بلعب فوتبول».
مهدي (12 سنة) جاء من سوريا قبل أربع سنوات، ترك الدراسة وهو في السادسة من عمره. يساعد مهدي والده في محل الخضار «من الصبح للخامسة مساءً. بعد انقضاء الدوام ألتحق بلعب كرة القدم في الحديقة (حديقة المفتي حسن خالد، عائشة بكار)». لا يخطر ببال «الخضرجي الصغير» شيء من أحلامه، يشبع من التفكير، ثم يبتسم ويجيب: «ع بالي كفي دراسة».
تدرّج علي (14 سنة) في مصلحة «ميكانيك الموتوسيكلات»، يعمل من الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساءً، لا مجال للدراسة في حياته. يختصر السنين التي تمرّ من عمره بإعالة عائلته، قائلاً: «برعت في الميكانيك، وأحلم بأن أتطوّر في هذه المصلحة».
لا يعرف وائل (14 سنة) شيئاً عن اليوم العالمي للطفل، «في هيك شي؟» يسأل. لا تهمّه الألوان التي سيضاء بها العالم غداً، فالأزرق المعتمد من قبل منظمة الأمم المتحدة لهذا العام لا يمكنه أن يشبه حياته في شيء، سوى لون عينيه. وائل في الصف الابتدائي الخامس، ولد في لبنان بعدما جاء والده قبل عشرين سنة من ريف حلب. لا يعمل «فقط أساعد أهلي في المنزل، لكنّ رفاقي كلّهم يعملون». يخاف التسرّب من المدرسة، لأن «لليوم بدي واسطة حتى يقبلوا يسجلوني»